تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهو مع ذلك لا يستطيع وهو يكتب (على هامش السيرة) أن ينسى اليونان والأوديسا، فيعرض لآلهة اليونان ويرينا أبولو والمريخ وأرتيمس وأثينا، وقد اجتمعوا لينظروا عما عساهم يفعلون، بل ويذهب في مقدمة كتابه (نقد النثر لقدامة) إلى أن قواعد البلاغة العربية إنما أسست على ما وضع أرسطو ونقله العرب من اليونانية، وتابعه على ذلك عبد العزيز البشري.

ولقد قرر بأن الاسكندر غرس الفكر اليوناني في الهند، مع أن الاسكندر لم يلم بالهند إلا لمامة الطيف، فماذا عساه يقول لو تذكر أن الفكر العربي تغلغل في أرجاء الهند وما زال يتغلغل بفضل المذاهب الإسلامية. ولعل حبه الأعمى للتراث اليوناني يبدو في عزمه على إحيائه لأنه يؤمن إيمانًا جازمًا بأن مرجع الفكر في الشرق والغرب إلى القدماء من مفكري اليونان. وأعلن زكي مبارك أنه لا يجوز أن يرجع الفكر كله إلى مفكري اليونان، وهكذا يقول العاقلون.

ومن أقواله التهريجية أيضًا قوله: (إن الغرب وطن الفلاسفة وإن الشرق وطن الأنبياء، ما حظه في أن يقرر أن العقل الشرقي انهزم أمام العقل اليوناني). ولقد سلك في ذلك درب الشطط لوجوه:

1. توهمه أن أخذ اليونانيين من الشرقيين نظام النقد ونظام المقاييس ليس إلا عملية مادية.

2. تقليله من شأن الحساب والهندسة فيجعلها فنونًا عملية لا عقلية.

3. قوله بأن سيادة النظام الملكي في الحكومات الشرقية دليل على أنها لم تنضج من الوجهة السياسية.

وقد أولع طه حسين بترجمة الأساطير اليونانية الصارخة جنسًا وجريمة ليقدم صورة أخرى من ذلك الركام الوثني في صورة براقة ككتابه (صحف مختارة من الشعر التمثيلي عند اليونان) وغيره، وقد بلغ من قدرته على المبالغة في الإعجاب بحضارة اليونان أن يقول في التعريف بكتاب (الأخلاق لأرسطو): أنه لو أن الحضارة الحاضرة أزيلت وأريد حضارة جديدة لكانت فلسفة أرسطو أساسًا لهذه الحضارة الجديدة، وأن أوربا الحديثة تعيش الآن وستعيش غدًا على فلسفة أرسطو.

ومما ورد آنفًا نخلص إلى أن طه قد رضع الثقافة اليونانية والفرنسية حتى الثمالة من ثدي أمه فرنسا التي لا ترحم جاهلا من أمثاله.

نظرية ديكارت ومنهج الشك الفلسفي

(أسلوب الشك هو مصدر الشهرة وإحداث الدويّ) هذه الحكمة الخبيثة هي ما علمه إياه المستشرقون وحمّله إياها الصهاينة والمبشرون الذين تلقفوه في معهد الدراسات الشرقية، ثم تركوه يناطح الفكر الإسلامي. ولقد ادعى طه حسين أنه يستخدم (منهج ديكارت) ليغايظ بذلك الأزهريين، حين قال لهم: (إنهم لا يعرفون هذا المنهج)، بيد أن الأستاذ محمد الغمراوي قال له: (إن ما قدمه ليس هو منهج ديكارت) بل إن الأستاذ الخضيري ترجم كتاب (مقال عن المنهج) ليؤكد أن ما قدمه طه حسين ليس هو منهج ديكارت، مما حدا بطه لاضطهاده وطرده من الجامعة ومنعه أن يدخل هيئة التدريس في كلية الآداب، بينما أطلقها لكل ناعق على حد تعبير الدكتور نجيب البهيتي. وقد تبين أن ديكارت قرأ ترجمة كتاب (المنقذ من الضلال) لحجة الإسلام أبي حامد الغزالي الذي يجعله يتخذ الشك طريقًا إلى اليقين، ولكن طه استعمل هذه النظرية لشيء آخر، لإنكار كل قطعي حقيقي ويقيني، ولقطع الطريق على القيم الجامعة المتكاملة، ولفصل الأدب عن الفكر. إذًا فليس صحيحًا كل ما ذكره طه من أن القاعدة الأساسية لمنهج الشك عند ديكارت أن يتحرى الباحث عن كل شيء ولو كان يعلمه من قبل، وأن يستقبل موضوع بحثه خالي الذهن مما قيل فيه خلوًا تامًا، وديكارت يقول: (إنه يجب علينا ألا نقول عن شيء: إنه حق، إلا إذا قام البرهان على أنه كذلك) وشتان بين هذا المعنى ومعنى الذي زعمه طه من وجوب التجرد من كل ما قيل في موضوع البحث من قبل، إذ من الجائز أن يكون ما قيل قد قام البرهان على صحته، وديكارت يرى أن ما وجد في الدين واضحًا جليًّا فهو حق يجب أن يسلم به تسليمًا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير