تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

من أجل ذلك كان منهج ديكارت كما فهمه وطبقه (طه حسين) منهجًا غير علمي، يدخل الفوضى في العلم ويؤدي في النهاية إلى زوال جهد العلماء طالما يتناوله الجهلاء بالتحريف، ولكن العلم لا يأخذ بآراء شخص كطه، والعلماء في علومهم وأبحاثهم يأخذون بغيره. ولم تكن عظمة ديكارت راجعة إلى أنه شكّ، ولكن إلى أنه تطلب مخرجًا من الشك واهتدى إلى طريقته في البحث خرج بها إلى بحبوحة اليقين، ثم ترجع إلى أنه حقق تلك الطريقة، فأثمرت في الرياضة ولم تثمر معه في الفلسفة والطبيعة إلا قليلا مما يأخذ به العلم اليوم، أما طه فما أكثر شكه، وما أكثر إيراده لزعم الرواة دون تنقيح وتصحيح، بل يعتمد التقبيح والتجريح كما هي عادته.

إذًا فغرضه من إكثاره لصيغ التمريض نحو (رُوِي) أو (ذُكِر) أو (ليس ببعيد أن يكون) أو (فما الذي يمنع) أو (ونحن نعتقد) أو (وإذًا نستطيع أن نقول) أو (يزعم الرواة)، غرضه هو التشكيك في إقامته على الفروض التي لا يلبث أن يعتبرها حقائق ليبني عليها أكاذيب أخرى. وننتهي من كل هذا إلى أن (منهج الشك) الذي حمله طه حسين ليس هو منهج الغزالي الذي اصطنع منهج الشك البصير، ولا منهج ديكارت الذي قصد به الخروج عن دائرة الأساطير، وإنما هو منهج زائف يراد به إثارة الشبهات في وجه كل حقيقة علمية دينية يقينية، وإثارة كل عوامل القلق والاضطراب في نفوس الشباب المسلم، لينكر قيمه الأساسية، فلا عجب أن يعلن التغريبيون إعجابهم بمذهب الشك الطاهوي، لأنه أفسد العقول والقلوب وقضى على اليقين والإيمان في قلوب المؤمنين.

كتاب (الشعر الجاهلي)

من أخطر الكتب التي أودعها الدكتور طه حسين سمومه كما هو ديدنه هو كتاب (الشعر الجاهلي) الذي كتب على غلافه (تأليف طه حسين أستاذ الآداب بكلية الآداب بالجامعة المصرية)، فما أكثر أسماء الهر وأقل الهر في نفسه، لأن معنى هذه العبارة أن الرجل أستاذ الشعر والكتابة وأساليبها وما يدخل في ذلك من تفسير ونقد، ثم تاريخ الأدب وتحليله وتصحيح رواياته وجمع مسائله والمقابلة بين نصوصه، ثم علوم الأدب المعروفة كفنون البلاغة والرواية، فهذه الآداب العربية مهما ادّعى معرفتها فالحقيقة أنه لا يجيدها. (رافعي 99)

ادعى في هذا الكتاب أن الشعر الجاهلي هو شعر منحول بتعاليل عليلة لا يقبل بها عاقل فهو يقول في صفحة 95: (ليس إذًا شعر أمية بن الصلت بدعًا في شعر المتحنفين من العرب أو المنتصرين والمتهودين منهم، وليس يمكن أن يكون المسلمون قد تعمدوا محوه إلا ما كان منه هجاء للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ونعيًا على الإسلام، فقد سلك المسلمون فيه مسلكهم في غيره من الشعر الذي أهمل حتى ضاع) وهذا يبدو فيه انخداع طه بالمستشرق الفرنسي كليمان هوار فيما زعم من أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن رواية شعر أمية فتابعه طه وظن بأنه بتلك الفعلة الحمقاء قد جاء بالسبب، ولكن ما الدليل على صحة خبر النهي وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم استنشد من شعر أمية وما زال يقول للمنشد: إيه إيه، حتى استوفى مائة بيت. (رافعي 102)

وما نظرية انتحال الشعر الجاهلي إلا نظرية مسروقة من مستشرق يهودي كتبها قبل ذلك هو مرجليوث الذي قصد إلى إثارة الشك حول المصدر الذي اعتمد عليه المفسرون في شرح معاني كلمات القرآن الكريم باعتبار أن الشعر سجل العرب كما قال ابن عباس رضي الله عنه. (فكر 148)

ويأبى إلا أن يظهر سفاهته التامة فيقول في كتابه: (إنه قد بقيت بقايا قليلة في أقاصي الدين، كان عندهم بقية من لسان حمير وهم عرب ولسانهم عربي أيضًا وزمانهم أقرب عهدًا من زمان عاد وثمود، ذاكرًا قول أبي عمرو بن العلاء (70 - 154 هـ) في ذلك وهو: ما لسان حمير وأقاصي الدين اليوم بلساننا ولا عربيتهم بعربيتنا فكيف بمن على عهد عاد وثمود، هذه الحجة الأخيرة هي التي ضللت من شكّ في الشعر الجاهلي لأنه وضعها في غير موضعها وحروفها إلى الشعر الجاهلي في اليمن قبل الإسلام بمائة وخمسين سنة. (فكر 158)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير