وعن قَتادة، قوله: (وَما كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ، وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ)، قال: كان نبيّ الله لا يقرأ كتاباً قبله، ولا يخطه بيمينه، قال: كان أُمِّياً، والأميّ: الذي لا يكتب.
و عن مجاهد: (وَما كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ، وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) قال: كان أهل الكتاب يجدون في كتبهم أن النبيّ ـ صلى الله عليه وسلّم ـ لا يخطّ بيمينه، ولا يقرأ كتاباً، فنزلت هذه الآية.
وبنحو الذي قلنا أيضاً في قوله: (إذا لارْتابَ المُبْطِل) قالوا.
ذكر من قال ذلك:
عن قَتادة: (إذا لارْتابَ المُبْطِلُونَ) إذن لقالوا: إنما هذا شيء تعلَّمه محمد ـ صلى الله عليه وسلّم ـ وكتبه.
وعن مجاهد، في قول الله: (إذا لارْتابَ المُبْطِلُون) قال: قريش. ".
وقوله تعالى: (رَسُولٌ مِّنَ ?للَّهِ يَتْلُوا صُحُفًا مُّطَهَّرَةً) أي يقرأ ما تتضمن الصحف من المكتوب؛ ويدل عليه أنه كان يتلو عن ظهر قلبه، لا عن كتاب؛ لأنه كان أمّياً، لا يكتب ولا يقرأ.
وانظرتفسير الطبري (20/ 140).
وقد دلت على أميته ـ صلى الله عليه وسلم ـ النصوص المتوافرة، وحقائق السيرة والتاريخ.
فأما النصوص، فقد قال تعالى في أهل الكتاب: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الأعراف 157].
وقال تعالى: (فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [الأعراف 158].
وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) [الجمعة 2].
والأمي في هذه الآيات له معنيان:
الأول: من لا يقرأ ولا يكتب.
والثاني: من ليس له كتاب ديني مثل التوراة والإنجيل.
وهذا المعنى الثاني محتمل في هذه الآيات، ولكن يرجح المعنى الأول قوله تعالى:
(وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) [العنكبوت 48]
وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ «إنّا أُمَّةٌ أُمِّيةٌ لا نَكتُبُ ولا نَحسُبُ، الشهرُ هكذا وهكذا. يَعني مرَّةً تسعةً وعشرينَ ومرَّةً ثلاثين» متفق عليه من حديث ابنَ عمرَ ـ رضيَ اللّهُ عنهما ـ، وهذا لفظ البخاري.
فقد فسر أمية الأمة بنفي الكتابة والحساب عنها، وهذا تعريف الأمي: وأنه هو الذي لا يكتب ولا يحسب، أي لا يعرف الحساب.
كل هذا متفق عليه في أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يكن يقرأ ويكتب أو عنده شيء من العلوم قبل أن يوحى إليه.
والخلاف هل قرأ وكتب بعد ما أنزل عليه؟
ذكر بعض العلماء أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في آخر حياته عرف الكتابة، بدليل أنه محا اسمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ من وثيقة صلح الحديبية حين رفض علي ـ رضي الله عنه ـ أن يمحوها.
ولا يستبعد من فعله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه يعرف صورة اسمه وصفته (محمد رسول الله) ويمحو الكلمة التي بعد الاسم، أو يكون معنى (محاها) أنه أمر بمحوها.
وممن ذهب إلى أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ عرف الكتابة في أواخر حياته: أبو الوليد الباجي ـ رحمه الله ـ، أحد أعلام المالكية المغاربة، ولما قال ذلك، طعن فيه ورمي بالزندقة، وسب على المنابر، وقد دافع عن نفسه بالمناظرة، والكتابة إلى علماء الأطراف.
¥