تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وجل ما اعتمد عليه أبو الوليد الباجي ـ رحمه الله ـ: حديث عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: " لَمَّا اعْتَمَرَ النبِيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ، حَتّى قَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَلَما كَتَبُوا الْكِتَابَ كَتَبُوا: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمدٌ رَسُولُ اللهِ، قَالُوا: لاَ نُقِرُّ بِهَذَا، لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ مَا مَنَعْنَاكَ شَيْئًا، وَلَكِنْ أَنْتَ مُحَمدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: أَنَا رَسُولُ اللهِ، وَأَنَا مُحَمدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، ثُم قَالَ لِعَلِيٍّ: امْحُ رَسُولَ اللهِ، قَالَ عَلِي: لاَ، وَاللهِ لاَ أَمْحُوكَ أَبَدًا، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ الْكِتَابَ، وَلَيْسَ يُحْسِنُ يَكْتُبُ، فَكَتَبَ: هَذَا مَا قَاضَى مُحَمدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ .... " الحديث. أخرجه أحمد (18838)، (18839)، و الدَّارِمِي (2507)، والبُخَارِي (1844)، (2699)، (4251) وغيرهم.

قال الحافظ في الفتح (8/ 290): " «فأخذ الكتاب ـ وليس يحسن أن يكتب ـ فكتب مكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ: هذا ماقاضى عليه محمد بن عبدالله» وقد تمسك بظاهر هذه الرواية أبو الوليد الباجي فادعى أن النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ كتب بيده بعد أن لم يكن يحسن يكتب، فشنع عليه علماء الأندلس في زمانه ورموه بالزندقة، وأن الذي قاله يخالف القرآن، حتى قال قائلهم:

برئت ممن شرى دنيا بآخرة ... وقال إن رسول الله قد كتبا

فجمعهم الأمير فاستظهر الباجي عليهم بما لديه من المعرفة، وقال للأمير: هذا لاينافي القرآن، بل يؤخذ من مفهوم القرآن؛ لأنه قيد النفي بما قبل ورود القرآن، فقال: (وما كنت تتلو من قبل من كتاب ولاتخطه بيمينك) [العنكبوت 48] وبعد أن تحققت أميته وتقررت بذلك معجزته وأمن الارتياب في ذلك لامانع من أن يعرف الكتابة بعد ذلك من غير تعليم فتكون معجزة أخرى.

وذكر ابن دحية أن جماعة من العلماء وافقوا الباجي في ذلك، منهم شيخه أبو ذر الهروي، وأبو الفتح النيسابوري، وآخرون من علماء إفريقية وغيرها.

واحتج بعضهم لذلك بما أخرجه ابن أبي شيبة، وعمر بن شبة من طريق مجاهد، عن عون بن عبدالله، قال: «مامات رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ حتى كتب وقرأ»، قال مجاهد: فذكرته للشعبي فقال: صدق قد سمعت من يذكر ذلك. ومن طريق يونس بن ميسرة، عن أبي كبشة السلولي، عن سهل بن الحنظلية «أن النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ أمر معاوية أن يكتب للأقرع وعيينة، فقال عيينة: أتراني أذهب بصحيفة المتلمس؟ فأخذ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ الصحيفة فنظر فيها، فقال: قد كتب لك بما أمر لك».

قال يونس: فنرى أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ كتب بعد ماأنزل عليه.

قال عياض: وردت آثار تدل على معرفته حروف الخط وحسن تصويرها كقوله لكاتبه: «ضع القلم على أذنك فإنه أذكر لك»، وقوله لمعاوية: «ألق الدواة وحرف القلم وأقم الباء وفرق السين ولاتعور الميم»، وقوله: «لاتمد بسم الله». قال: وهذا وإن لم يثبت أنه كتب فلا يبعد أن يرزق علم وضع الكتابة، فإنه أوتي علم كل شيء.

وأجاب الجمهور بضعف هذه الأحاديث.

وعن قصة الحديبية بأن القصة واحدة والكاتب فيها علي وقد صرح في حديث المسور بأن علياً هو الذي كتب، فيحمل على أن النكتة في قوله: «فأخذ الكتاب وليس يحسن يكتب» لبيان أن قوله: «أرني إياها» أنه مااحتاج إلى أن يريه موضع الكلمة التي امتنع علي من محوها إلا لكونه كان لايحسن الكتابة، وعلى أن قوله بعد ذلك: «فكتب» فيه حذف تقديره فمحاها فأعادها لعلي فكتب.

وبهذا جزم ابن التين وأطلق كتب بمعنى أمر بالكتابة، وهو كثير كقوله: كتب إلى قيصر وكتب إلى كسرى، وعلى تقدير حمله على ظاهره فلا يلزم من كتابة اسمه الشريف في ذلك اليوم وهو لايحسن الكتابة أن يصير عالماً بالكتابة ويخرج عن كونه أمياً، فإن كثيراً ممن لايحسن الكتابة يعرف تصور بعض الكلمات ويحسن وضعها بيده وخصوصاً الأسماء، ولايخرج بذلك عن كونه أمياً ككثير من الملوك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير