وبعد أن قدمت ما قدمت من أشعار ذكر فيها (سَرِف) وقصة عبد الله بن العباس مع المتوكل وتشوق المتوكل إلى شعر العرجى أود أن أتحف القارئ العزيز ببعض القصص التي جرت أحداثها في سَرِف لأنها لا تخلو من الطرافةو والمراوحة من الكتابة الجادة إلى نوع من الترويح عن النفس.
-[قال موسى ابن قدامة: خرجت لأختي زينب إلى العمرة فلما كنت (بسَرِف) لقيني عمر بن أبي ربيعة على فرس فسلم علي. فقلت له: إلى أين أراك متوجها يا أبا الخطاب؟ فقال: ذكرت لي إمرأة من قومي بارزة الجمال فأردت الحديث معها. فقلت: هل علمت أنها أختي؟ فقال: لا. واستحى وثنى عنق فرسه راجعا إلى مكة] (33)
-[عن أبي هفان عن إسحاق عن رجاله: أن عمر بن أبي ربيعة والحارث بن خالد وأبا ربيعة المصطلقي ورجلا من بين مخزوم وابن أخت الحاارث بن خالد , خرجوا يشيعون بعض خلفاء بني أمية , فلما انصرفوا نزلوا (بسَرِف) فلاح لهم برق فقال الحارث كلنا شاعر. فهلموا نصف البرق. فقال أبو ربيعة:
فقال المخزومي:
فقال عمر:
ثم قال: مالي وللبرق والشوك] (34)
-[وقال علي بن محمد البغدادي الصوفي المعروف بالمزين: كنت مجاوراً بمكة فوقع لي انزعاج , فخرجت أريد المدينة فلما وصلت إلى قبر ميمونة إذا بشاب مطروح , فعدلت إليه وهو ينزع , فقلت له: قل لا إله إلا الله ففتح عينيه وقال: أنا إن مُتُّ فالهوى حشو قلبي * وبداء الهوى يموت الكرام
ثم مات وغسلته وكفنته وصليت عليه, فلما فرغت سكن ما بي من إرادة السفر فرجعت إلى مكة] (35)
سَرِف في عصر الدعوة الإسلامية:-لعل في كل ما قدمت من سطور سابقة من شعر ونثر وأقاصيص حول (سَرِف) لم يكن إلا مقدمة للحديث عن سَرِف الذي كان يرنو لعين الأسى إلى الجماعات المهاجرة من مكة إلى المدينة المنورة فراراً بدينها من الفتنة وامتثالاً لأمر أراده الله سبحانه وتعالى , لتعود بعد ذلك تلك الجماعات الفارة بدينها في جحفل جيش لجب يشاهدها (سَرِف) وهي ترفل في ثياب النصر الذي وعد الله.
فمن حديث الهجرة حديث عمر ابن الخطاب: [لما ردت الهجرة إلى المدينة انا وعياش ابن أبي ربيعة وهشام العاصي , أتيت التناضب من أضاة بني غفار , فوق (سَرِف) وقلنا أينا لم يصبح عندها قد حبس , فليمض صاحباه. قال: فأصبحت أن وعياش عن التناضب , وحبس هشام وفتن , فافتتن وذكر الحديث] (36)
وكما شاهد سَرِف المهاجرين الفارين بدينهم من مكة إلى المدينة فقد شهد فلول المشركين الذين فروا من الحرب يوم بدر وما تلاه من أيام كانت الغلبة فيها للإسلام والمسلمين , [وكان من حديث أبي بن خلف – كما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن صالح عن إبراهيم ابن عبد الرحمن بن عوف – يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فيقول: يا محمد إن عندي العود أعلفه كل يوم فرقاً من ذرة اقتلك عليه! فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أنا أقتلك إن شاء الله تعالى. فلما رجع إلى قريش وقد خدشه في حلقه خدشاً غير كبير فاحتقن الدم. قال: قتلني والله محمد! قالوا: ذهب والله فؤادك , والله ما بك من بأس , قال: إنه كان بمكة قال لي: أنا أقتلك , فوالله لبصق علي لقتلني , فمات عدو الله بسَرِف وهم قافلون إلى مكة] (37)
فسبحان من جعل للمسلمين من بعد الخوف أمنا وأشهد سَرِفا على مصارع أعداء الله بعد أن شاهد أولياءه فارين بدينهم.
زواج النبي صلى الله عليه وسلم بميمونة:-
قال ابن إسحاق: [وحدثني إبان بن صالح وعبدالله بن أبي نجيح , عن عطاء بن أبي رباح ومجاهد أبي الحجاج , عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة بنت الحارث في سفره ذلك – أي في عمرة القضاء – وهو حرام وكان الذي زوجه إياها العباس بن عبد المطلب.
¥