تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم رجع الى قسنطينة فعكف على التعليم مع دؤوب على المطالعة وعناية بصناعة التدريس فاكتسب فقها في معارفه الدينية واللسانية وسعة بذكائه وعلمه واختص بطريقة في التدريس تجمع بين فصاحة التعبير ومنطقية الترتيب الى حذق في شرح غوامض العبارات وتجلية دقائق المعاني ولا أجد من أشبهه به في فقه اللغة واسرار الدين وفي صناعة التدريس الا أعلام العهد الأندلسي

انتصب في قسنطينة مدرسا متبرعا بعلمه واشتهر علمه فهرع اليه الطلبة من الىفاق البعيدة وعادت قسنطينة تزخر بملتمسي العلم أكثر مما بلغته في العهد المجاوي اذ حصلت فيها فترة بعد انتقال المجاوي الى الجزائر وثبل عودة ابن باديس وكانت فترة بين حركتين أدركهما الناس جميعا فقارنوا بينهما وسمعنا من عامتهم تفضيل هذا الدور لأول عهدهم به ومن هنا جعلنا نحن هذين الرجلين علمين لهذين الدورين

انقطع ابن باديس للتعليم عشر سنوات هزت الوطن هزة مبشرة ثم نفع تعلمه المسجدي تهذيب الشعب عن طريق الصحافة فكان عمله الصحافي أوسع صدى وأعمق أثرا وقد كانت الصحافة قبله مثل الخطابة الجمعية من جمع فيها بين فصاحة اللسان وغناء السجع فقد أدى واجبه أما التاثر والتأثير المقصودان من كل كلام فلا ظل لهما يومئذ عند كتابنا وخطبائنا ولما تأسست نهضت ثبتتها على خطتها وسيرتها نحو غايتها سيرا حثيثا والمطلع على الزوابع التي ثارت على هاته (الجمعية) نفسها يعجب لمحافظة رئيسها على بقائها فضلا عن تقوية حيويتها

هذه ميادين ثلاثة ميدان الدرس العلمي ميدان القلم الصحفي وميدان الجمعة النظامي قد قام ابن باديس في كل منها بواجبه كأن لا مزاحمة بينها على شخصه الضعيف فقدم عن طريقها لشعب الجزائر خدمات جليلة نهضت به نهوضا لا انتكاس بعده ان شاء الله فكناه اخوانه لذلك (ابا النهضة الجزائرية) وهي تكنية تدل على شكر الشعب لمنقذه وما الشكر الا معرفة النعمة والقيام بحقها اعترافا و امتثالا وفي ذلك حجة المتفائلين بحياة الجزائر

وبعد فلسفتنا نقصد الى ترجمة الأستاذ وانما أجملنا من حياته ما لا بد منه لعرض الموضوع

مصادر التعليم في هذا الدور هي مصادره فيما قبله لكنما تغيرت أهميتها فالتعليم الرسمي فقد أغلب شيوخه الكبار ممن يراهم الناس أهل صلاح ووقار فضعفت منزلته في المجتمع فلما كشفت النهضة الحديثة عن اهتمام الشعب بالتعليم الحر زاحمها التعليم الرسمي بزيادة مراكزه لكنها زيادة مادية لم تمنح لذلك التعليم منزلته الأدبية

واصيب تعليم الزوايا في كميته وكيفيته بانصراف رؤسائها الى التسابق في تضخيم الثروة والتنافس في التقرب من الحكام واعداد العدة لاضافتهم اكتسابا لقوة مادية تسد الفراغ الذي حصل لهم عند العامة من تقصيرهم عن سلفهم في التدين وفعل الخير

وعادت الأهمية للتعليم الشعبي ونفصله في ثلاثة أنواع:

الأول:تعليم الكتاتيب القرآنية

وهو طراز قديم وبقية مما تركت الأجيال الغابرة ويوجد في البوادي والحواضر وقد زاحمته المكاتب الفرنسية ذات الأنظمة الحديثة المريحة للتلميذ في جلسته والذاهبة بهندستها لرغبته والمزيلة بتربية معلميها لدهشته ثم الآخذة بقانونها الاجباري لأهم وقته فضعفت منزلة الكتاتيب في هذا الدور لذلك وكادت تعدم فائدتها

الثاني:التعليم المسجدي

وهو للطلبة وللعامة فأما العامة فكانوا يحضرون للمسجد اما لطلب الاعتقادات من كتب الكلام أمثال (صغرى السنوسي) واما لمعرفة العبادات من كتب الفقه ك (ابن عاشر) وفي هذا الدور أصبحوا يحضرونه لمعرفة الاعتقادات من آيات الله ولمعرفة العبادات من كتب السنة كالموطأ ولمعرفة الشمائل من شمائل الترمذي أو الشفاء ولسماع العظات من القرآن والحديث فالتعليم المسجدي اليوم يقوم على الكتاب والسنة من غير أن يحارب كتب الكلام والفقه وانما يحارب كتب المناقب والرقائق المحشوة بالموضوعات والأساطير والتعليم المسجدي ليس بجديد وانما الجديد فيه دراسة الكتاب والسنة وتوجيه العامة اليهما في اعتقاداتها وعباداتها وسلوكها

وأما الطلبة المسجديون فقد نظموا في هذا الدور تنظيما يميزكل طبقة من أخرى ويعطيها من المعلومات ما يناسبها ولا تزال مادة تعليمه المتن والشرح غالبا ولكن اسلوبه لم يبق على ما كان عليه فقد صار المعلم يشرح المسألة العلمية مستقلة

ثم يعود الى عبارة المؤلف لينزلها عليها ويبين وفاءها أو قصورها

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير