تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كان الواجب عليكم أيها البصريون أن تصححوا قاعدتكم لتمضى مع هذا القرآن المتواتر، وأن تمضوا مع الكوفيين فى هذا الشأن الذين مضوا مع ما قعده القرآن ولم يخالفوه ولم يجترؤا على ما اجترأتم عليه، وقالوا: إذا وجد بعد الفعل الذى لم يسم فاعله مفعول وغيره جاز أن يقوم مقام الفاعل غير المفعول من مصدر أو غيره، واستدلوا بهذه القراءة (ليجزى قوما).

وجاء فى الشعر العربى ما يؤيد ذلك كقول القائل:

لم يُعن بالعلياء إلا سيداً ... ولا شفى ذا الغى إلا ذو هدى

حيث ناب الجار والمجرور، وهو قوله بالعلياء عن الفاعل مع وجود المفعول وهو: سيداً.

ومثله قول القائل:

وإنما يرضى المنيب ربه ... ما دام معنياً بذكر قَلْبَه

والشاهد: معنياً بذكر قَلْبَه، حيث ناب الجار والمجرور، وهو بذكر عن الفاعل، مع وجود المفعول به فى الكلام وهو: قلبه، بدليل أنه أتى به منصوباً [27]

وبناءً على ما نقلناه من حاشية زاده قريباً، تكون إقامة المصدر إقامة نائب الفاعل - فى القراءتين - ليس لاعتبار كونه مصدراً وإنما لكونه مفعولاً ثانياً، ويكون قد تحقق ما عارض البصريون القراءتين لأجله، يبين بذلك القصور الشديد الذى استحوذ على البصريين فى معارضة قراءتين متواترتين.

القاعدة الحاسمة للخلاف فى ذلك

نص القاعدة:

"القرآن الكريم هو الأصل الذى ينبغى أن تقعّد عليه اللغة، وبه تضبط قواعد النحو، فإذا ثبتت القراءة القرآنية لزم قبولها والمصير إليها، ولا ترد بقياس عربية ولا فشو لغة" [28]

توضيح القاعدة:

هذه قاعدة هامة جداً تحمى حمى القراءات القرآنية الثابتة من طعن بعض المعربين من المفسرين وغيرهم، إذ تقرر أن القرآن الكريم هو الصل الذى ينبغى أن يصار إليه، وأن تقعّد عليه اللغة، وتضبط به قواعد النحو؛ لأن هذا القرآن هو المعجزة الكبرى لسيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد نزل هذا القرآن عليه - صلى الله عليه وسلم - بقراءته الثابتة، وهو فى مجابهة قوم هم أبلغ البلغاء، وأفصح الفصحاء، وهم قريش ومن أيدهم من العرب، ومع ذلك لم يطعنوا فى القرآن من هذه الناحية التى اجترأ عليها من بُعد من خَدَمة القرآن والمدافعين عنه، ظناً منهم أن هذه القراءات منشؤها اجتهاد القراء، حيث غاب عنهم أن النقل مرجعها، هذا سبب من أسباب جرأة المعترضين على هذه القراءات من جهة اللغة والإعراب، وهناك سبب آخر أوقعهم أيضاً فى الخطأ الذى لا يغتفر، وهو عدم إلمامهم الكامل بجميع أوجه العربية، وقد لاحظت ذلك حين معالجة هذا الموضوع، حيث بان لى أن كل ما اعترضوا عليه له فى العربية وجوه متعددة فى أكثر الأحيان وليس وجهاً واحداً مع أن المعروف أنه يكفى لإثبات القراءة وقبولها موافقتها للعربية ولو بوجه واحد مع توفر الشرطين الآخرين الذين سبق ذكرهما غير مرة.

ومن ثم فإنه لا يجوز مطلقاً الطعن فى قراءة ثابتة لأنها قرآن منزل من عند الله تعالى، يحتج به ولا يحتج عليه ببيت من الشعر، ولا بقاعدة نحوية هى من وضع البشر، هناك ما يخالفها أيضاً من كلام البشر.

قال أبو عمرو الدانى:

أئمة القراء لا تعمل فى شئ من حروف القرآن على الأفشى فى اللغة، والأقيس فى العربية، بل على الأثبت فى الأثر، والأصح فى النقل، والرواية إذا ثبتت عنهم لم يردها قياس عربية ولا فشو لغة؛ لأن القرآن سنة متبعة، يلزم قبولها والمصير إليها. [29]

شبهة واردة على ما قررته القاعدة

قد بان لنا من خلال ما قررته القاعدة أن القراءة المتواترة لا يقدح فى قرآنيتها مخالفتها لقواعد النحو، إذ الأصل أن تمضى القاعدة مع ما قعّده القرآن.

ومع ذلك فقد بان لنا من خلال الأمثلة والنماذج المطروحة أن ما زعموه من مخالفة هذه القراءات لقواعد نحوية ليس كذلك، إذ لهذه القراءات وجوه فى العربية، وأصول ترجع إليها، وقد دعمنا هذه النتيجة بكلام العرب فى كل ما وجهنا به هذه القراءات المفترى عليها. والفضل فى ذلك يرجع إلى علمائنا الأفذاذ المخلصين لربهم ودينهم الذين ذادوا عن حياض القرآن كل فرية ودفعوا عنه كل شبهة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير