لكن وردت بعض روايات مسندة إلى السيدة عائشة - رضى الله عنها - والى عثمان - رضى الله عنه -، والى سعيد بن جبير، تفيد هذه الروايات أن فى القرآن المتواتر الذى نتعبد الله به لحناً هو من تصرف كتاب الوحى، ومع ذلك فقد تلقته الأمة بالقبول على ما فيه من لحن ظاهر باعتراف أفاضل الصحابة، وهذه هى الآثار التى وردت فى ذلك:
1 - أخرج أبو عبيد فى فضائل القرآن عن أبى معاوية عن هشام بن عروة عن ابيه قال: سألت عائشة عن لحن القرآن عن قوله تعالى ((إنّ هذان لساحران)) [30] وعن قوله تعالى: ((والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة)) [31] وعن قوله تعالى: ((إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون)) [32] فقالت: يا ابن أختى، هذا عمل الكتاب أخطأوا فى الكتاب ا. هـ[33]
أى أن هذا الخطأ هو من عمل كتاب الوحى أثناء كتابة هذه الآيات، جاء فى الإتقان للسيوطى: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. [34]
2 - وأخرج أبو عبيد أيضاً عن عثمان - رضى الله عنه - أنه لما كتبت المصاحف عرضت عليه، فوجد فيها حروفاً من اللحن فقال: لا تغيروها، فإن العرب ستغيرها - أو قال - ستعربها بألسنتها.
3 - وعن سعيد بن جبير أنه كان يقرأ (والمقيمين الصلاة) ويقول: هو من لحن الكتاب.
الرد على الشبهة
نحن هنا أمام شبهة من وجهين:
أحدهما: آثار يجب نقدها والرد عليها وتوجيهها على فرض صحتها.
وثانيهما: كلمات من القرآن الكريم فى جمل ادعى أنها خالفت قواعد العربية فما وجهها؟
أولاً: فيما يتعلق بالآثار:
أ- بالنسبة للإسناد الأول الذى نقل عن طريق عائشة -رضى الله عنها -جاء فى الإتقان: إنه إسناد صحيح على شرط الشيخين. وفى هذا الحكم نظر حيث إن أبا عبيد رواه عن أبى معاوية الضرير، واسمه: محمد بن خازم التميمي.
وثق العلماء حديثه عن الأعمش، فقال وكيع: ما أدركنا أحداً كان أعلم بأحاديث الأعمش من أبى معاوية. وكذا قال ابن معين وغيره.
لكنهم عابوا أحاديثه عن غير الأعمش وقالوا: إنها مضطربة، فقال ابن خراش: هو فى الأعمش ثقة وفى عيره فيه اضطراب.
وصرح الإمام أحمد بأن أحاديثه عن هشام بن عروة بالذات فيها اضطراب.
وقد اعتمد البخارى روايته عن الأعمش واحتج بها وأما روايته عن هشام بن عروة، فلم يذكرها إلا فى المتابعات لا فى الأصول. [35]
وهذا يسقط الرواية من أساسها، ويجعلها غير صالحة للاحتجاج، فكيف القول بأنها على شرط الشيخين؟!!
ب- وأما بالنسبة للأثرين الآخرين فقد قال السيوطى: هى مشكلة جداً. ثم أضاف: كيف يظن بالصحابة أولاً أنهم يلحنون فى الكلام فضلاً عن القرآن وهم الفصحاء اللُّد؟ ثم كيف يظن بهم ثانياً فى القرآن الذى تلقوه من النبى -صلى الله عليه وسلم - كما أنزل وحفظوه وضبطوه وأتقنوه؟
ثم كيف يظن بهم ثالثاً اجتماعهم كلهم على الخطأ وكتابته؟
ثم كيف يظن بهم رابعاً عدم تنبههم ورجوعهم عنه؟
ثم كيف يظن بعثمان - رضى الله عنه - أنه ينهى عن تغييره؟
ثم كيف يظن أن القراءة استمرت على مقتضى ذلك الخطأ، وهو مروى بالتواتر خلفاً عن سلف؟
هذا ما يستحيل عقلاً وشرعاً وعادةً.
ثم علق - أى السيوطى - على الرواية المنقولة عن عثمان -رضى الله عنه - بقوله: إن ذلك لا يصح عن عثمان، فإن إسناده ضعيف مضطرب منقطع، ولأن عثمان جعل - المصحف الذى جمعه - إماماً للناس يقتدون به، فكيف يرى فيه لحناً ويتركه لتقيمه العرب بألسنتها؟
فإذا كان الذين تولوا جمعه وكتابته لم يقيموا ذلك وهم الخيار فكيف يقيمه غيرهم؟ ثم إن عثمان لم يكتب مصحفاً واحداً، ولكن كتب عدة مصاحف، فإن قيل: إن اللحن وقع فيها جميعاً فبعيد اتفاقها على ذلك، أو فى بعضها، فهو اعتراف بصحة البعض. ولم يذكر أحد من الناس أن اللحن كان فى مصحف دون مصحف، ولم تأت المصاحف مختلفة قط إلا فيما هو من وجوه القراءة وليس ذلك بلحن. [36]
¥