تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

1 - قيل: إن النصب فيه على المدح، والناصب فعل مضمر تقديره أمدح، أو أخص المقيمين الصلاة. والعلة بيان فضل الصلاة ومزيتها.

يقول أحد الباحثين: النصب على المدح أو العناية لا يأتى فى الكلام البليغ إلا لنكتة، والنكتة هنا هى إظهار مزية الصلاة، كما أن تغيير الإعراب فى كلمة بين أمثالها، ينبه الذهن إلى وجوب التأمل فيها ويهدى إلى التفكير لاستخراج مزيتها وهو من أركان البلاغة …… ونظيره فى النطق أن يغير المتكلم جرس صوته، وكيفية أدائه للكلمة التى يريد تنبيه المخاطب لها كرفع الصوت أو خفضه أو مده بها. [48]

2 - وقيل: إن الياء فى (المقيمين) للخفض، لا للنصب عطفاً على الضمير المجرور فى (منهم) أى لكن الراسخون فى العلم منهم ومن المقيمين. وقيل: بل عطفاً على الضمير المجرور فى (إليك) أى يؤمنون بما أنزل إليك والى المقيمين الصلاة وهم الأنبياء. [49] أو عطفاً على الكاف فى (قبلك) أى من قبلك ومن قبل المقيمين الصلاة وهم الأنبياء. [50]

والأرجح الأول، وهو الذى اعتمده سيبويه حيث قال فى كتابه: هذا باب ما ينتصب على التعظيم ومن ذلك "والمقيمين الصلاة" وأنشد شاهداً.

وكل قوم أطاعوا أمر سيدهم ... إلا نميراً أطاعت أمر غاويها

الطاعنين ولما يطعنوا أحداً ... والقائلون لمن دار تخليها

الآية الثالثة:

قال تعالى: ((إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً …………)) [51]

الشاهد قوله (والصابئون) حيث رفع فى مقام نصب لعطفه على اسم "إن" وهذا خطأ فى النحو عند من لم يفقهوا إلا أنه معطوف على اسم "إن" فكان ينبغى أن يأتى منصوباً ليواكب ما عطف عليه.

ونقول: اللفظ لا لحن فيه كما ادعوا، ولكنهم عجزوا عن توجيه الرفع، وتوجيهه سهل إذ له عدة أوجه هى:

1 - أن يكون قوله (الصابئون) مرفوعاً بالابتداء، والواو قبله للاستئناف، والخبر محذوفاً، والنية به التأخير عما فى حيّز (إن) من اسمها وخبرها.

كأنه قيل: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكهم كذا والصابئون كذلك. وقد رجح ذلك سيبويه وأنشد له شاهداً:

ألا فاعلموا أنا وأنتم ... بغاة ما بقينا على شقاق

أى: فاعلموا أنا بغاة وأنتم كذلك.

وإذا كان (الصابئون) النية به التأخير، فلابد من حكمة تعلل تقديمه فى الذكر، والعلة هنا التنبيه إلى أن الصابئين أشد إيغالاً فى الضلالة، وعمقاً فى الغواية، حيث لا عقيدة لهم ثابتة كالذين آمنوا وكأهل الكتاب، ولكنهم - كما يذكر ابن القيم - يتخيرون من سائر ديانات العالم بعض شعائرها، ويتركون البعض ولم يقيدوا أنفسهم بجملة دين معين وتفصيله. [52]

وهذا الوجه أقوى الوجوه، وأرجح ما تحمل عليه الآية الشريفة.

2 - وقيل: إن الواو عاطفة والصابئون معطوف على موضع اسم (إن) لأنه قبل دخول (إن) كان فى موضع رفع وهذا مذهب الكسائى والفراء.

3 - وروى عن الكسائى أيضاً أنه مرفوع عطفاً على الضمير المرفوع فى قوله (هادوا).

4 - وقيل: (إن) هنا بمعنى نعم، أى حرف جواب وما بعده مرفوع بالابتداء، وعليه فالصابئون معطوف على ما قبله. [53] والأرجح الأول كما سبق القول بذلك.

وبعد، فهذه هى الآيات الثلاث التى وردت فى رواية عائشة - رضى الله عنه -، وقد بان توجيهها وظهر لنا أن لها أكثر من وجه فى العربية، فكيف يدعى بعد ذلك أن فيها أخطاء نحوية؟ وأختم هذا المبحث بكلام نفيس لابن الحاجب حول اجتراء النحاة على بعض القراءات وادعاء أن الصورة التى جاءت عليها غير جائزة من جهة العربية.

قال ابن الحاجب: والأولى الرد على النحويين فى منع الجواز، فليس قولهم بحجة إلا عند الإجماع، ومن القراء جماعة من أكابر النحويين، فلا يكون إجماع النحويين حجة مع مخالفة القراء لهم، ثم ولو قدر أن القراء ليس فيهم نحوى، فإنهم ناقلون لهذه اللغة وهم مشاركون للنحويين فى نقل اللغة، فلا يكون إجماع النحويين حجة دونهم، وإذا ثبت ذلك كان المصير إلى قول القراء أولى؛ لأنهم ناقلوها عمن ثبتت عصمته من الغلط فى مثله؛ ولأن القراءة ثبتت متواترة، وما نقله النحويون آحاد، ثم لو سلم أنه ليس بمتواتر، فالقراء أعدل وأكثر فكان الرجوع إليهم أولى. ا. هـ والله أعلم. [54]

الحواشي السفلية:

ـــــــــــ

1 - سورة النساء: 1

2 - الوافى فى شرح الشاطبية - ص 167

3 - سورة القصص: 81

4 - الإتقان - 1/ 77.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير