يأخذها الآخر عن الأول فاقرؤوا كما علمتموه، و لذلك كان كثير من أئمة القراءة كنافع و أبي عمرو يقول: لولا أنه ليس لي أن أقرأ إلا بما قرأت لقرأت حرف كذا كذا و حرف كذا كذا (المقنع 10 - 11، الإتقان 2/ 167)،و قال الحافظ أبو عمرو الداني في كتابه (جامع البيان) بعد ذكره إسكان (بارئكم) و (يأمركم) لأبي عمرو و حكاية إنكار سيبويه له فقال - أعني الداني –: و الإسكان أصح في النقل و أكثر في الأداء وهو الذي أختاره وآخذ به، ثم لما ذكر نصوص رواته قال: و أئمة القراء لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة و الأقيس في العربية بل على الأثبت في الأثر و الأصح في النقل، و الرواية إذا ثبتت لم يردها قياس عربية و لا فشو لغة لأن القراءة سنة يلزم قبولها و المصير إليها (النشر 1/ 21) اهـ
توضيح:
بخصوص قراءة عاصم فقد ورد في طبقات القراء أنه كان يقرئ شعبة بما تحمله من زر بن حبيش وكان يقرئ حفصا بما تحمله من أبي عبد الرحمن السلمي، وأبو عبد الرحمن السلمي قرأ على خمسة من الصحابة وهم عثمان وعلي وزيد بن ثابت وأبي بن كعب وعبد الله بن مسعود، وهؤلاء الخمسة أقرؤوا أبا عبد الرحمن بأوجه مختلفة بلا شك، إذن لا بد انه وقع اختيار أبي عبد الرحمن على بعضها فأقرأ به عاصمًا ثم وقع اختيار عاصم على بعضها فأقرأ به حفصا ثم وقع اختيار حفص على بعضها فأقرأ به تلاميذه ثم وقع اختيار عمرو بن الصباح على بعض ما أقرأه حفص ووقع اختيار عبيد بن الصباح على بعض ما أقرأه حفص فلهذا طريق عمرو عن حفص فيه اختلافات عن طريق عبيد عن حفص، وهكذا لم يزل تلاميذ تلاميذ تلاميذ حفص يختارون فتتعدد الطرق، لكنهم لا يختارون بعقولهم وإنما من بين ما تحملوه بالسند.
حتى إنك أنت إذا قرأت على شيخك لحفص بقصر المنفصل وتوسطه يمكنك أن تختار القراءة والإقراء بالقصر فقط إذا شئت، فهذا هو المقصود بالاختيار.
إذن عاصم كان له شيخان وله تلميذان فاختص كل تلميذ بما تحمله عن شيخ بعينه، لكن بقية القراء ليسوا كذلك، فنافع مثلا قرأ على سبعين من التابعين ولم يقل لقالون إنه أقرأه بما تحمله عن واحد بعينه منهم، وأما ورش فإنه كان قد قرأ على شيوخ له مصريين في مصر قبل أن يرحل إلى نافع فلما رحل إلى نافع قرأ عليه أربع ختمات بأوجه عديدة كان قد تحملها عن شيوخه المصريين فوافق ذلك بعض الأوجه التي كان نافع تحملها عن شيوخه السبعين فأقره على قراءته.
معذرة للإطالة، لكن أرجو أن يكون فيها شيء من الفائدة، وغفر الله لي ولأخي راجي رحمة ربه، ولإخواننا في الملتقى أجمعين.
ـ[راجي رحمة ربه]ــــــــ[21 Jan 2004, 03:10 م]ـ
قولكم وفقكم الله:
معذرة للإطالة، لكن أرجو أن يكون فيها شيء من الفائدة
بالعكس، كلما أطلت النفس كلما ازددنا شوقا لقراءة الرد.
وكلامكم بارك الله فيكم صحيح لا غبار عليه،
كل ما في الأمر- وإن لم أحسن توجيه الكلام بدقة- أني أردت التنبيه أن مجال الاختيار عند الراوي أضيق بكثير مقارنة بالقارئ لالتزامه بقراءة شيخه.
ويناسب هذا المقام التذكير بقول حفص:
لم أخالف شيخي عاصم إلا في حرف "الله الذي خلقكم من ضعف"
ومعلوم أن مخالفته هنا ليس الإعراض عن نقل قراءة شيخه بالكلية، بل أنه رواها وروى معها الوجه الآخر
وهما الضم والفتح وكلاهما صحا عن حفص.
ومع نقل كل الأوجه الكثيرة عن حفص كما سبق في المقال:
http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?s=&threadid=1264
وتعدد الطرق له التي بلغت 52 طريقا جمعها في النشر ولخصت في 21 وجها وقع تعدد الأوجه في فرش أحرفها في 23 كلمة قرآنية وخمسة أحكام أصولية
فهو مجرد استبعاد ألا ينقل الأوجه الأخرى عن شيخه في الكلمات التي سردها الأخ أبو خالد خاصة أنها تتعلق بمخالفة في الأصول لا الفرش.
والخلاصة أن عبارتي:
"مجال الاختيار عند الراوي أضيق بكثير مقارنة بالقارئ"
أعتقدها الحق الذي لا محيد عنه، أما باقي التفصيل فتعبير الشيخ وليد فيه أمتن وأحكم.
ـ[أبو خالد السلمي]ــــــــ[21 Jan 2004, 04:27 م]ـ
شيخنا الكريم راجي رحمة ربه حفظكم الله تعالى ونفع بعلمكم، عبارتكم الأخيرة "مجال الاختيار عند الراوي أضيق بكثير مقارنة بالقارئ"عبارة صحيحة، وأنا أوافقكم عليها تمام الموافقة، وبها يأتلف كلامي وكلامكم، وقد استفدنا من حواركم الماتع النافع.
ـ[خالدعبدالرحمن]ــــــــ[22 Jan 2004, 09:45 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ..
لقد كان لمقال الشيخ أبي خالد أثره ومكانه في هذا النقاش،
فلقد دعم جزاه الله خيرا، الرأي القائل باختيار القراء لأوجه قراءاتهم، دون الطعن بالسند ..
وفعل الاختيار من القراء والرواة، الذي ينكره البعض جهلا وتعصبا لغير الحق، هو الذي دعا شيخ الأسلام رحمه الله لقوله بجواز الخلط بين القراءات في قراءة القرآن.
وهو ما يدعم القول بقراءة الرسول صلى الله عليه وسلم، والتي لا تلتزم ما الزمنا به البعض ..
وأرى في اجابة الشيخ السلمي عن الحكمة من ظهور رواية حفص، رأيا قديرا وجديرا بالدراسة، فحفص رحمه الله التزم التحقيق، و ذكر الاوجه المخالفة، وأظنه أهمل تلك الأوجه المتكلفة عند غيره،من مثل تلك التي كرهها العلماء ..
والآن اتمنى عليكم أن نخوض في التساؤل الأخير حول كيف فاضل العلماء الأكابر بين قراءة وقراءة؟!!
والله من وراء القصد.
¥