تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومِثالا عَلى ذَلِك: رَفع اليَّدَين في الدُّعاء؛ فقد ثَبَت بالتواتُّر المَعنَوي أنَّ النَّبيَّ (صَلَّى اللهُ عَليه وَسَلَّم) كان يَرفَع يَدَيه في الدُّعاء، وهذا نَصٌّ عامٌ؛ ومَع ذَلِك "لَمَّا فَعَلَه بَعضُهم في مَوطِن لم يَفعلْه رَسولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَليه وعلى آلِه وَسَلَّم) فيه؛ أنَكَر صاحِبُ رَسولِ الله (صَلَّى اللهُ عَليه وعلى آلِِه وَسَلَّم) عَليه: فَعن (عِمارَة بن رؤيبة) –رَضيَ اللهُ عَنه- أنَّه رأى (بِشر بن مَروان) على المِنبَر رافِعًا يَدَيه، فقال: "قَبَّح اللهُ هاتَين اليَدَين؛ لَقَد رأيتُ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى الله عَليه وَسَلَّم) ما يَزيدُ عن أن يَقول بيَدِه هكذا؛ وأشار بإصبُعِه السَّبابَة" [رواه مُسلِم: (874)] " [بِتَصَرُّفٍ مِن كِتاب «الانتصار للحَقِّ وأهلِ العِلم الكِبَار» / للشيخ (أحمد بن إبراهيم بن أبي العينين) –أثابَه اللهُ تَعالَى، ص 35: 36].

فانظُر –أخي- إنكار الصَّحابَة –رَضيَ اللهُ عَنهم- على عِبادَةٍ لها أصلٌ عام فَعَلَه رَسولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَليه وَسَلَّم) في مواطِن ولم يَفعلْه في أخرَى، فكيف بشيء لم يَفعلْه رَسولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَليه وَسَلَّم) قَطُّ في حياتِه "كَقول (صَدَقَ اللهُ العَظيم) بعد التلاوة"؟!! لا شكَ أنَّ الإنكارَ مِنهم –رَضيَ الله عَنهم- كان سَيكون أشَدَّ وأنكَى!

ولا يَخفَى عَليكم قِصَة (أبي موسى الأشعَري) –رَضي اللهُ عَنه- عِندما رأى قومًا حِلَقًا جُلوسًا يَنتَظِرون الصَّلاة، في كُلِّ حَلَقَةٍ رَجُل، وفي أيديهم حَصًى، فيقول: كَبَّروا مائة، فيكبرون مائة، فيقول: هَلِّلوا مائة، فيُهَلِّلون مائة، ويقول: سَبِّحُوا مائة، فيُسَبِّحون مائة. فأخبَرَ (عَبْدَ اللهِ بن مَسعود) –رَضيَ اللهُ عَنه- بِذَلِك؛ فأنكَرَ عليهم ذَلِك إنكارًا شَديدًا، وقال لَهم: "عُدوا سيئاتِكم، فأنا ضامِنٌ أن لا يَضيع مِن حسناتِكم شئٌ، وَيْحَكُم يا أمَّة مُحمَّد ما أسرَع هَلَكَتَكُم، هؤلاء صحابَة نَبيِّكم (صَلَّى اللهُ عَليه وَسَلَّم) مُتوافِرون، وهذه ثيابُه لم تَبْلَ وآنيَتُه لم تُكسَر، والذي نَفسي بيَدِه؛ إنَّكم لَعَلى مِلَّةٍ أهدَى مِن مِلَّة مُحَمَّدٍ أوْ مُفتَتِحُو بابِ ضَلالة؟! ".

قالوا: واللهِ يا أبا عَبْدَ الرَّحمَن؛ ما أردنَا إلا الخَير! قال: وكَم مِن مُريدٍ للخَير لن يُصيبَه! إنَّ رَسولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَليه وَسَلَّم) حَدَّثنَا أن قَومًا يَقْرءون القُرآن لا يُجاوِز تَراقِيَهُم؛ وايمُ اللهِ ما أدري لَعَلَّ أكثرَهم مِنكم! ثم تولَّى عَنهم.

فقال (عمَرو بن سَلَّمة) –وهو أحدُ الرواة-: رأينَا عامَّةَ أولئِكَ الحِلَقِ يُطاعِنُونَا يَومَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الخَوارِج. [رواه الدارِمي: (204)].

فانظر –رَحِمَك اللهُ- إلى البِدْعَة وأثرِها السييء؛ لا على صاحِبِها فَحَسبُ؛ بل علي عُموم الأمَّةِ الإسلامية!

وتَدَبَر –أخي- كيف أنكَر (عَبْدُ اللهِ بْنِ مَسعودٍ) –رَضيَ اللهُ عَنه- عِبادَةً (التَّكبير والتَّهليل والتَّسبيح) بِكَيفيةٍ لم يَفعلْها رَسولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَليه وَسَلَّم)، رَغم أنَّ أصلَ العِبادَةِ مَشروعٌ! فكيف بما يتَّخِذُه المُكَلَّفُ عِبادَةً ولا أصلَ له في الشَّرع ألبتَة "كَقول (صَدَقَ اللهُ العَظيم) بعد التلاوة"؟!!

وهذا الأثَرُ السَّابِق –الذي سُقتَه لَك باختِصار- حَوَى فوائِد ودُرَرًا جَمَّة؛ تَجِدُها في كِتاب «البِدْعَة وأثرُها السَّييء على الأمَّة» / للشيخ (سليم الهلالي) –أثابَه اللهُ تَعالَى.

(2) قَولُك: "ظَهَرَ مِن بَينِنَا قَومٌ اتَّهَمُوا غَيرَهُم بالابتداعِ في الدِّين حَتَّى لَو كانَ أحدٌ يَدعُو بِدعُاءٍ مِن نَفسِه يُمَجِّدُ فيه اللهَ ويَتَضَرَّعُ إليه -لقَالَ لَه هؤلاء: يا هَذا إنَّ دُعاءَك هذا بِدْعةٌ؛ لأنَّه ليسَ دُعاءً مؤثورًا [كذا؛ والصَّوابُ: مأثورًا] عَن رَسولِ اللهِ (صَلَّىَ اللهُ عليه وَسَلَّم) " اهـ.

قُلت: كلامُك فيه عِدَّة مُؤاخَذَات:

أولا: قولُك: " ظَهَرَ مِن بَينِنَا قَومٌ ... "؛ لم تُبَيِّن -أخي الكَريم- مَن تَقصِدُ بكلامِك هذا؟! وأخشَى أن يكونَ بُهتانًا ورَميًا بالباطِل؟! وفي نِهايَة مُشارَكَتِك هذه لَمزٌ آخَر، فاسألِ اللهَ العَفو والمَغفِرَة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير