تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كَتَبَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَسْأَلُهُ عَنِ الْقَدَرِ فَكَتَبَ أَمَّا بَعْدُ أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالاِقْتِصَادِ فِى أَمْرِهِ وَاتِّبَاعِ سُنَّةِ نَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَتَرْكِ مَا أَحْدَثَ الْمُحْدِثُونَ بَعْدَ مَا جَرَتْ بِهِ سُنَّتُهُ وَكُفُوا مُؤْنَتَهُ فَعَلَيْكَ بِلُزُومِ السُّنَّةِ فَإِنَّهَا لَكَ بِإِذْنِ اللَّهِ عِصْمَةٌ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَبْتَدِعِ النَّاسُ بِدْعَةً إِلاَّ قَدْ مَضَى قَبْلَهَا مَا هُوَ دَلِيلٌ عَلَيْهَا أَوْ عِبْرَةٌ فِيهَا فَإِنَّ السُّنَّةَ إِنَّمَا سَنَّهَا مَنْ قَدْ عَلِمَ مَا فِى خِلاَفِهَا مِنَ الْخَطَإِ وَالزَّلَلِ وَالْحُمْقِ وَالتَّعَمُّقِ فَارْضَ لِنَفْسِكَ مَا رَضِىَ بِهِ الْقَوْمُ لأَنْفُسِهِمْ فَإِنَّهُمْ عَلَى عِلْمٍ وَقَفُوا وَبِبَصَرٍ نَافِذٍ كَفَوْا وَلَهُمْ عَلَى كَشْفِ الأُمُورِ كَانُوا أَقْوَى وَبِفَضْلِ مَا كَانُوا فِيهِ أَوْلَى فَإِنْ كَانَ الْهُدَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ لَقَدْ سَبَقْتُمُوهُمْ إِلَيْهِ وَلَئِنْ قُلْتُمْ إِنَّمَا حَدَثَ بَعْدَهُمْ مَا أَحْدَثَهُ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِهِمْ وَرَغِبَ بِنَفْسِهِ عَنْهُمْ فَإِنَّهُمْ هُمُ السَّابِقُونَ فَقَدْ تَكَلَّمُوا فِيهِ بِمَا يَكْفِى وَوَصَفُوا مِنْهُ مَا يَشْفِى فَمَا دُونَهُمْ مِنْ مَقْصَرٍ وَمَا فَوْقَهُمْ مِنْ مَحْسَرٍ وَقَدْ قَصَّرَ قَوْمٌ دُونَهُمْ فَجَفَوْا وَطَمَحَ عَنْهُمْ أَقْوَامٌ فَغَلَوْا وَإِنَّهُمْ بَيْنَ ذَلِكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ؛ كَتَبْتَ تَسْأَلُ عَنِ الإِقْرَارِ بِالْقَدَرِ فَعَلَى الْخَبِيرِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَعْتَ مَا أَعْلَمُ مَا أَحْدَثَ النَّاسُ مِنْ مُحْدَثَةٍ وَلاَ ابْتَدَعُوا مِنْ بِدْعَةٍ هِىَ أَبْيَنُ أَثَرًا وَلاَ أَثْبَتُ أَمْرًا مِنَ الإِقْرَارِ بِالْقَدَرِ لَقَدْ كَانَ ذَكَرَهُ فِى الْجَاهِلِيَّةِ الْجُهَلاَءُ يَتَكَلَّمُونَ بِهِ فِى كَلاَمِهِمْ وَفِى شِعْرِهِمْ يُعَزُّونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ عَلَى مَا فَاتَهُمْ ثُمَّ لَمْ يَزِدْهُ الإِسْلاَمُ بَعْدُ إِلاَّ شِدَّةً وَلَقَدْ ذَكَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى غَيْرِ حَدِيثٍ وَلاَ حَدِيثَيْنِ وَقَدْ سَمِعَهُ مِنْهُ الْمُسْلِمُونَ فَتَكَلَّمُوا بِهِ فِى حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ يَقِينًا وَتَسْلِيمًا لِرَبِّهِمْ وَتَضْعِيفًا لأَنْفُسِهِمْ أَنْ يَكُونَ شَىْءٌ لَمْ يُحِطْ بِهِ عِلْمُهُ وَلَمْ يُحْصِهِ كِتَابُهُ وَلَمْ يَمْضِ فِيهِ قَدَرُهُ وَإِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَفِى مُحْكَمِ كِتَابِهِ مِنْهُ اقْتَبَسُوهُ وَمِنْهُ تَعَلَّمُوهُ وَلَئِنْ قُلْتُمْ لِمَ أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ كَذَا وَلِمَ قَالَ كَذَا. لَقَدْ قَرَءُوْا مِنْهُ مَا قَرَأْتُمْ وَعَلِمُوا مِنْ تَأْوِيلِهِ مَا جَهِلْتُمْ وَقَالُوا بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ بِكِتَابٍ وَقَدَرٍ وَكُتِبَتِ الشَّقَاوَةُ وَمَا يُقَدَّرْ يَكُنْ وَمَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وَلاَ نَمْلِكُ لأَنْفُسِنَا ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا ثُمَّ رَغَبُوا بَعْدَ ذَلِكَ وَرَهِبُوا."

فأنت ترى كيف ذكر الإمام عمر بن عبد العزيز هذه المقدمات، ثم استنتج منها تلك النتائج، فإن كان ذلك قفزا، فأنا -فيما أحسب- قفزت مثل ما قفز الإمام.

ثم لتعلم أن من نصيحة القراء السابقين والمقرئين المجودين، الأمر باقتفاء سنن الأئمة الفقهاء ونصوا على الإمام مالك رحمه الله، وأذكر لك علكمان وأعلام القراء والمصنفين، أولهم ابن أبي داود السجستاني صاحب كتاب المصاحف، قال في أرجوزته الحائية في السّنة:

ومن بعدهم فالتابعون لحسن يأ=خُذوا فِعلهم قولا وفعلا فأفلحُوا

ومالكُ والثّوريُّ ثم أخوهم =أبو عمرو الأوزاعيُّ ذاك المسبِّحُ

ومن بعدهم فالشافعيُّ وأحمدُ=إماماَ هدى، من يتّبع الحقَّ يفصحُ

أولئك القوم قد عفا الله عنهم=وأرضاهم فأجبهم فإنك تفرحُ [شرح مذاهب السنة لابن شاهين ص322 - 323]

والثاني الإمام أبو عمر الداني في كتابه الأرجوزة المنبهة قال فيها:

القول فيمن يقتدى به ومن يترك قوله

تدري أخي أين طريق الجنه ............... طريقها القرءان ثم السنه

كلاهما ببلد الرسول ............... وموطن الأصحاب خير جيل

ومعدن الأتباع والأخيار ............... والفقهاء الجلة الأحبار

فاتبعن جماعة المدينه ............... فالعلم عن نبيهم يروونه

وهم فحجة على سواهم ............... في النقل والقول وفي فتواهم

واعتمدن على الإمام مالك ............... إذ قد حوى على جميع ذلك

في الفقه والفتيا إليه المنتهى ............... وصحة النقل وعلم من مضى

إلى أن قال:

وجانب الأراذل المبتدعه ............... واعمل بقول الفرقة المتبعه

واطرح الأهواء والآراء ............... وكل قول ولد المراء

من دار بِالسنة فاستمعه ............... وكل ما قد حد فاتبعه

إذا رأيت المرء قد أحبا ............... أئمة الدين وعنهم ذبا

كمالك والليث والثوري ............... وابن عيينة الفتى التقي

والفاضل المعروف بالأوزاعي ............... ومثلهم من أهل الاتباع

كابن المبارك الجليل القدر ............... والشافعي ذي التقى والبر

وعابد الرحمن وابن وهب ............... وصحبهم أكرم بهم من صحب

والقاسم العالِم بالإعراب ............... والفقه والقرءان والآداب

وأحمد بن حنبل الإمام ............... ونظرائهم من الأعلام

وفضل الصحابة الأبرارا ............... وقدم الأصهار والأنصارا

وأبغض البدعي والمخالفا ............... ومن تراه لهما مخالفا

فاعلم بأنه من أهل السنه ............... فالزمه واستمسك بما قد سنه

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير