ومن ثم اشترط كثير من أئمة الخلف على المجيز أن لا يجيز أحداً إلا بعد معرفته الوقف والابتداء.
وصح عن الشعبي وهو من أئمة التابعين أنه قال: إذا قرأت (كل من عليها فان) فلا تسكت حتى تقرأ (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام).
وقال الإمام أبو الخير:
الوقف في الصدر الأول: الصحابة والتابعين وسائر العلماء، مرغوب فيه من مشايخ القراء والأئمة الفضلاء، مطلوب فيما سلف من الأعصار، واردة به الأخبار الثابتة والآثار الصحيحة. ففي الصحيحين أن أم سلمة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقطع قراءته يقول: الحمد لله رب العالمين، ثم يقف .. الحديث
وقال بعضهم:
إن معرفة الوقف تظهر مذهب أهل السنة من مذهب المعتزلة كما لو وقف على قوله وربك يخلق ما يشاء ويختار فالوقف على يختار هو مذهب أهل السنة لنفي اختيار الخلق لاختيار الحق فليس لأحد أن يختار بل الخيرة لله تعالى. أخرج هذا الأثر البيهقي في سننه.
وروي أن رجلين أتيا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتشهد أحدهما فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما، ووقف. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: قم، بئس خطيب القوم أنت. قل: ومن يعص الله ورسوله فقد غوى.
ففي الخبر دليل واضح على كراهة القطع على المستبشع من اللفظ المتعلق بما يبين حقيقته ويدل على المراد منه، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم إنما أقام الخطيب لما قطع على ما يقبح لأنه جمع بقطعه بين حال من أطاع ومن عصى ولم يفصل بين ذلك أو يصل الكلام إلى آخره، فيقول: ومن يعصهما فقد غوى. فإذا كان مثل هذا مكروهاً مستبشعاً في الكلام الجاري بين المخلوقين فهو في كلام الله أشد كراهة وقبحاً وتجنبه أولى وأحق.
وقال الهذلي في كامله: الوقف حلية التلاوة، وزينة القارئ، وبلوغ التالي، وفهم المستمع، وفخر العالم، وبه يعرف الفرق بين المعنيين المختلفين، والنقيضين المتنافيين، والحكمين المتغايرين.
وقال أبو حاتم: من لم يعرف الوقف لم يعرف القرآن.
وقال ابن الأنباري: من تمام معرفة القرآن معرفة الوقف والابتداء إذ لا يتأتى لأحد معرفة معاني القرآن إلا بمعرفة الفواصل. اهـ
وينقسم الوقف إلى خمسة أقسام
1 - اختياري، بالياء التحتية. وهو الذي يقصده القارئ لذاته من غير عروض سبب من الأسباب.
2 - اضطراري. وهو ما يعرض بسبب ضيق النفس ونحوه كعجز ونسيان. ومنه وقف القارئ ليسأل شيخه كيف يقف على الكلمة فحينئذ يجوز الوقف على أي كلمة كانت، وإن لم يتم المعنى. كأن وقف على شرط دون جوابه، أو على موصول دون صلته. لكن يجب الابتداء من الكلمة التي وقف عليها إن صلح الابتداء.
3 - اختباري، بالموحدة. وهو الذي يطلب من القارئ لقصد امتحانه.
4 - تعريفي. وهو ما تركب من الاضطراري والاختباري. كأن يقف لتعليم قارئ، أو لإجابة ممتحن، أو لإعلام غيره بكيفية الوقف.
5 - انتظاري. وهو الوقف على كلمات الخلاف لقصد استيفاء ما فيها من الأوجه حين القراءة بجمع الروايات.
[أقسام الوقف الاختياري ومصطلحات العلماء واختلافهم]
ثم إن العلماء رحمهم الله تعالى قسموا الوقف الاختياري إلى أنواع، ولكنهم اختلفوا في عددها وتسميتها
فقال جماعة منهم الداني وابن الجزري إنها أربعة أقسام:
التام وكاف وحسن وقبيح
1 - فالتام
هو الوقف على كل كلمة ليس لها تعلق بما بعدها ألبتة، أي لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى.
كقوله: وأولئك هم المفلحون
فيوقف عليه ويبتدأ بما بعده
2 - والكافي
هو الوقف على كلمة لم يتعلق ما بعدها بها، ولا بما قبلها لفظا، بل معنى فقط
كقوله: أم لم تنذرهم لا يؤمنون،
لأنها مع ما بعدها، وهو ختم الله متعلق بالكافرين.
وهو كالتام في جواز الوقف عليه والابتداء بما بعده.
3 - والحسن
هو الوقف على كلمة تعلق ما بعدها بها أو بما قبلها لفظا فقط
كالوقف على الحمد لله.
فيوقف عليه بشرط تمام الكلام عند تلك الكلمة، ولا يحسن الابتداء بما بعده للتعلق اللفظي، إلا أن يكون رأس آية، فإنه يجوز في اختيار أكثر أهل الأداء لما سيأتي.
4 - والقبيح
هو الوقف على لفظ غير مفيد، لعدم تمام الكلام. وقد يتعلق ما بعده بما قبله لفظا ومعنى.
كالوقف على بسم من بسم الله.
إذ لا يعلم إلى أي شيء أضيف،
أو على كلام يوهم وصفا لا يليق به تعالى.
وقالت طائفة منهم ابن الأنباري إنها ثلاثة: تام وحسن وقبيح
1 - فالتام
¥