قال عبد الوهاب القرطبي: " الميم: إذا سكنت وبعدها باء وجب إخفاء الميم معها كقوله تعالى: {وأن احكم بينهم}، {أنبئهم بأسمائهم}، {هم به يؤمنون} وذلك أنّ الباء قَرُبت من الميم في المخرج فامتنع الإظهار، واستوتا في أنّ كلّ واحدة منهما تنطبق بها الشفتان فتحقّق الاتصال والاستتار، وامتازت الميم عنها بمزيّة الغنّة فامتنع الإدغام فلم يبق إلاّ الإخفاء.
وقد اختلف القرّاء في العبارة عنها، فقال بعضهم: هي مخفاة لانطباق الشفتين عليهما كانطباقهما على أحدهما، وهو مذهب ابن مجاهد، قال ابن مجاهد: والميم لا تُدغم في الباء لكنّها تُخفى لأنّ لها صوتاً من الخياشيم تواخي به النون الخفيّة. وقال آخرون: هي مبيّنة للغنّة التي في الميم.
وقال بعضهم: أخذنا عن أهل الأداء بيان الميم الساكنة عند الفاء والواو والباء في حُسْن من غير إفحاش. وقال بعضهم: أجمع القراء على تبيين الميم الساكنة في جميع القرءان إذا لقيت باءً. والأوّل هو القول.
فأمّا عبارة بعضهم عن ذلك بالبيان فالذي عندي أنّهم لم يريدوا البيان الذي هو التفكيك والقطع، لأنّ ذلك إذا لُفظَ به جاء في الغاية من الثقل والاستبشاع، وإنّما أرادوا بالبيان عدم الإدغام لأنّ جماعة من أغمار القراء ذهبوا إلى أنّه إدغام فسمّوه بياناً ليُنبّهوا على أنّه ليس بإدغام، وإن كان إخفاءً " انتهى كلامه رحمه الله تعالى (الموضح ص172، 173،174).
قال ابن الباذش: "من ذلك الميم عند الباء: نحو {كذبتم به}، و {آمنتم به}، {ومن يعتصم بالله}، و {أن بورك}، و {هنيئاً بما}، و {صمّ بكم} ونحوه كثير.
فاختلفت عبارات القراء بعد إجماعهم، إلاّ من شذّ وسنذكره على أنّ الإدغام لا يجوز" (الإقناع ص64).
ألم يصرّح هؤلاء الثلاثة بأنّ الخلاف هو العبارة؟
هذه النصوص تردّ على قولك
يا أخي أغاب عن بالك أن هؤلاء الأئمة كانوا يقرءون على مئات الشيوخ ولا يكتفون بالقراءة على شيخ واحد , فلماذا لا يختلفون في الأداء خلافا حقيقيا؟
وعلى قولك:
لم يخف عليهم أن الخلاف حقيقي وإذا أردت نقلت لك من كلامهم ما يدلك على أنهم يعلمون ويقرون أن الخلاف حقيقي , أو انقل لي أنت ما يدل على أنهم يصرحون بأنه لفظي ولو بوضع روابط ذلك إن كان منقولا من قبل.
أمّا الإجماع فقد قال به أئمّة في هذا الفنّ والمشكلة ليست في الاعتبار بالإجماع أم لا وإنّما الستاؤل كيف يقول بعض أهل الأداء بالإجماع مع تواتر الوجهين في الأداء؟ ألا يدلّ هذا على الاتفاق في الأداء دون اللفظ؟ هذه تساؤلات أضعها بين يديك. ويؤيّد ذلك ما تؤكّده النصوص المنقولة لك أعلاه.
أمّا استعمال السخاوي للفظ مختلفان أي مختلفان في العبارة والاختلاف في العبارة يُفضي إلى الاجتهاد وإعمال الرأي لذا قال رأيان. أمّا إن كان الخلاف في الأداء فلا دخل للرأي فالكلّ متّبع لما قرأه على شيخه. مثاله: الكلّ يدغم النون في الميم ولكنّهم اختلفوا هو الغنّة هل هي غنّة النون أم غنّة الميم، فاختلفوا في اللفظ واتّفقوا في الأداء، والاختلاف في اللفظ يترتّب عنه الاجتهاد وأعمالٌ للرأي خلافاً ما إذا كان الأمر متعلّقا بتطبيق الحكم في الأداء.
أمّا قولكم:
المعاصرون أقروا بأن الخلاف حقيقي حتى شيوخ المطبقين , فالشيخ أيمن سويد أقر بذلك ,ولك أن تسأله وتتأكد منه , فلما ناقشه شيخنا أحمد حامد حول هذه النقطة قال: لو كنت في زمانهم لسميته إظهارا ولما سميته إخفاء , فاقبل ما أقر به شيخك وشيخ المطبقين حفظك الله وحفظه , وإلا أحوجتني إلى أن أنقل لك المزيد والمزيد من أقوال الأئمة التي تؤكد بلا ريب أن الخلاف حقيقي وأن الإخفاء لا يكون إلا بالفرجة ولا بد.
هذا صحيح ولكن ليس لأحد أن يمنعني من البحث في القضيّة إذ كلّ مسألة تخضع للبحث إن تبيّن الخلاف المسألة سواء كان في العبارة أم في الأداء. وقد تعرّض لهذه المسألة بعض المشايخ على رأسهم شيخنا العلامة غانم قدوري الحمد في كتابه الدراسات الصوتية والذي أكّد أنّ الخلاف في اللفظ دون الأداء.
ـ[محمد بن عيد الشعباني]ــــــــ[07 Oct 2009, 02:49 م]ـ
¥