ولكن يا أخي الحبيب تغيّرت الأمور في هذا الوقت، فأصبح المخطوط يُطبع، وقد تنبّه بعض المشايخ الكرام إلى هذه القضيّة على أساس ما هو مدوّن في الكتب المعتبرة والتي هي المصادر التي نقلت منها المسائل التجويدية والقراءات والتي تعبّر عن الكيفيّة التي قرأ بها القدامى بأسانيدهم إلى النبيّ عليه الصلاة والسلام. وفي هذه المصادر نجد التصريح بأنّ الخلاف هو خلاف عبارة واصطلاح،
يا أخي نص واحد فقط يكفيني ويكفي كل القائلين بالفرجة بشرط أن يكون فيه نصك هذا (الخلاف هو خلاف عبارة واصطلاح) أما اختلفوا في العبارة فليس دليلا على اختلاف اللفظ دون الحقيقة , إذ لكل عبارة حقيقة ,فأنا وأنت الآن مختلفون في العبارة ولكن خلافنا حقيقي كل عبارة من عباراتنا لها حقيقة مختلفة.
وهؤلاء أئمّة جهابذة متقدّمون على ابن الجزري والحصري والمرعشي وغيرهم. , وأسانيد المتأخرين تنصبّ على هؤلاء الأفذاذ. يستحيل أن يختلف هؤلاء اختلاف تضآدّ في أداء وكيفية مع إسناد قراءة كلّ واحد إلى الآخر. فابن الباذش أسند القراءات السبع إلى مكي والداني وهما يختلفان في المسألة وقد أسندا القراءة إلى عبد المنعم وإلى ابن مجاهد وهكذا مع اختلافهما. فكيفّ يخطّئ الواحد الآخر، والبعض ينقل الإجماع ويقرّره مع أنّ بعض مشايخه خرقه. كيف يحصل هذا؟. هذا لا يفسّر إلاّ إذا كان الخلاف نظريّاً لفظيّاً.
لماذا لا تفهم من الخلاف الحقيقي إلا خلاف التضاد لماذا لا يكون خلاف تنوع كسائر خلافات الرواة والقراء أليس حفص وشعبة قد قرءا على عاصم وهو إمام واحد وقد اختلفا في أكثر من خمسمائة حرف , هل الخلاف بين شعبة الذي يميل (رمى) وحفص الذي يفتحها هو خلاف تضاد لأن حقيقة الإمالة غير حقيقة الفتح أم هما عندك حقيقة واحدة والخلاف لفظي أيضا؟
ألا يمكننا أن نقول اختلف شعبة وحفص في العبارة في (رمى) أو حتى في اللفظ بها فشعبة يميلها وحفص يفتحها وهذا الخلاف حقيقي وليس تضادا وإن كنا قد عبرنا عنه باللفظ والعبارة وإن كان شيخهما واحدا؟
وقد أستدرك المحررون على ابن الجزريّ في بعض المسائل التحريريّة برجوعهم إلى المصادر كما فعل الأزميري والمتولّي والضباع وأنت تقرأ الآن بما استدركه هؤلاء الجهابذة.
يا أخي ليس كل استدراك يقبل إلا ببرهان ودليل وليس دليل ها هنا (إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا).
وليس هناك من اعترض على ذلك مع تغيّر الأداء بتلك الاستدراكات بل هناك من اعترض وهناك من يقرئ بظاهر المتون بلا تحريرات وكيف يخفى عليك هذا؟
ونحن في مسألتنا نريد معرفة هل الخلاف لفظيّ أم لا، مع أنّه لا يترتّب عليه في تغيير في الأداء إذ كلّنا نقرأ بالإخفاء مع الاختلاف في الكيفيّة. فلماذا هذا الاعتراض؟ أتخشي على الفرجة؟
كأنك ما ناقشت أحدا قط , كيف لا يترتب عليه تغيير في الأداء فلماذا نتناقش إذن ولماذا ناقشكم الشيخ الفاضل عبد الحكيم عبد الرازق حفظه الله في سجالات طويلة؟
أعلم أنّ المشكلّة كووووووووووووولّها في الفرجة.
هذا يدلّ على ماذا؟ يدلّ على ابن الجزريّ بشر يخطئ ويصيب. ولكن إثباته للوجهين أداءً لا سيما إن قرأ بهما جعلني أتوقّف في القضيّة وما زلت.
تغضب حين أقول أنك متذبذب وهكذا شأن كل من قال بالإطباق في الإخفاء الذي لم يقل به أحد من أئمة هذا الشأن قديما وأما حديثا فقد قيل كل شيء حتى عزى القرضاوي في البابا وقال عمرو: إبليس مكفرش.
أخي طارق لو اطلعت على البحوث التي أثيرت في هذا المنتدى المبارك ستجد أنّ الكثير من المسائل التي كنّا نظنّ أنّها من المقطوع بها فإذا بها تخضع للنقد والاستدراك لا سيما المسائل المختلف فيها والتي أعمل فيها الرأي والاجتهاد. يا أخي لو قلتم بأحد القولين أو الثلاثة المنقولين عن السلف لما اعترضنا إلا من باب الترجيح لكن المشكلة أنكم تقولون بما لم يقل به أحد فتقولون بالإخفاء وتقولون لايكون الإخفاء إلا بالإطباق؟ وتصرون على أن الخلاف لفظي فلم لا تعبرون عن رأيكم بالإظهار كما عبر الأولون؟ وحينئذ لن يعارضكم أحد.
أمّا استدلالك بكلام المرعشيّ على صحّة الفرجة فغير مسلّم به وقد قمت بالردّ على ما فهمته أنت وغيرك منه غير مرّة. والردّ من جهتين:
الأولي: أنّه قال بتقليل الاعتماد على مخرجها وهو الشفتان. والاعتماد يدلّ على التصاق الشفا العليا بالسفلى إذ أحدى الشفتين تعتمد على الأخرى مع تقليل قوّة الاعتماد. والاعتماد في حدّ ذلك بغضّ النظر عن قوّته ينفي الفرجة وانفراج الشفتين. لأنّ الشفتين إذا انفرجتا انتفى الاعتماد بالكليّة.
لماذا تقول المرعشي ما لم بقله؟ هل قال (مع تقليل قوّة الاعتماد)؟ ألا ترى فرقا كبيرا بين قولك وقوله؟
الثانية: مثَّل المرعشيّ هذا الاعتماد بإخفاء حركة النون الثانية في {تأمنّا} ولا شكّ أنّ النطق بالنون التي أُخفيت حركتها يستلزم قرع طرف اللسان واحتكاكه بالحنك الأعلى مع تضعيف وتقليل الاعتماد. إذن فاحتكاك واعتماد طرف اللسان بالحنك الأعلى عند إخفاء نون {تأمنّا} لازم. والفرجة تنفي الاحتكاك والاعتماد بالكليّة.
هذا النصّ يدلّ على لزوم اعتماد الشفة العليا بالسفلى وبالتالي على بطلان الفرجة.
هداك الله , المرعشي في مثاله هذا لا يتعرض للنون من قريب ولا من بعيد , أتدري لماذا؟ لأن مخرج الحركات من الشفتين ولا ارتباط له بمخرج الحرف الذي تحرك بها , فهو يشبه النطق بالميم حال الإخفاء بالنطق بالضمة حال الروم , فما الجامع بين الميم والضم؟ إنه الشفتان , وما وجه الشبه؟ إنه الفرجة.
والعلم عند الله تعالى.
¥