تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من الأحكام المبسوطة،وأعني بذلك إخراج مفهوم التجويد اللغوي الذي هو بمعنى تحسين القراءة فهذا لا إشكال في الاتفاق عليه للأمر به في أحاديث كثيرة، ولهذا عنونت للموضوع ب (بمفهومه المعاصر).

فالخلاف يدور حول مدد المد، ومقدار الغنة والإقلاب، والقلقلة، ومايحصل به الإظهار من الحلق لحروفه، والإشمام، فهل دل عليها من السنة النبوية دليل واحد؟

واختم بفائدةٍ ذكرها القرطبي فقال: ((قال رسول الله صلى عليه وسلم تعلموا القرآن وغنوا به واكتبوه فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفصيا من المخاض من العقل قال علماؤنا وهذا الحديث وإن صح سنده فيرده ما يعلم على القطع والبتات من أن قراءة القرآن بلغتنا متواترة عن كافة المشايخ جيلا فجيلاإلى العصر الكريم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس فيها تلحين

ولا تطريب مع كثرة المتعمقين في مخارج الحروف وفي المد والإدغام والإظهار وغير ذلك من كيفية القراءات ثم إن في الترجيع والتطريب همز ما ليس بمهموز ومد ما ليس بمدود فترجع الالف الواحدة ألفات والواو الواحدة واوات والشبهة الواحدة شبهات فيؤدي ذلك إلى زيادة في القرآن وذلك ممنوع وإن وافق ذلك موضع نبر وهمز صيروها نبرات وهمزات والنبرة حيثما وقعت من الحروف فإنما هي همزة واحدة لاغير إما ممدودة وإما مقصورة فإن قيل فقد روى عبدالله بن مغفل قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير له سورة الفتح على راحلته فرجع في قراءته وذكره البخاري وقال في صفة الترجيع آء آء آء ثلاث مرات قلنا ذلك محمول على إشباع المد في موضعه ويحتمل أن يكون حكاية صوته عند هز الراحلة كما يعتري رافع صوته إذا كان راكبا من انضغاط صوته وتقطيعه لأجل هز المركوب وإذا احتمل هذا فلا حجة فيه وقد خرج أبو محمد عبدالغني بن سعيد الحافظ من حديث قتادة عن عبدالرحمن بن أبي بكر عن أبيه قال كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم المد ليس فيها ترجيع وروى ابن جريح عن عطاء عن ابن عباس قال كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذن يطرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الأذان سهل سمح فإذا كان أذانك سمحاسهلاوإلا فلا تؤذن أخرجه الدارقطني في سننه))، قلت: وقد سمتُ جماعات من القراء يقرأون ما يسمونه بالقلقلة فينطقون حرفاً آخر زيادةً في كتاب الله، وفتش تجد.

أعود للقرطبي رحمه الله: ((إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد منع ذلك في الأذان فأحرى ألا يجوزه في القرآن الذي حفظه الرحمن فقال وقوله الحق إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون وقال تعالى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد قلت وهذا الخلاف إنما هو ما لم يفهم معنى القرآن بترديد الأصوات وكثرة الترجيعات فإن زاد الأمر على ذلك حتى لا يفهم معناه فذلك حرام باتفاق كما يفعل القرآء بالديار المصرية الذين يقرءون أمام الملوك والجنائز ويأخذون على ذلك الأجور والجوائز ضل سعيهم وخاب

عملهم فيستحلون بذلك تغيير كتاب الله ويهونون على أنفسهم الاجتراء على الله بأن يزيدوا في تنزيله ما ليس فيه جهلا بدينهم ومروقا عن سنة نبيهم ورفضا لسير الصالحين)) قال الشيخ محمد بن ابراهيم: ((التجويد معلوم معروف؛ لكن أدخل فيه ما ليس منه، فإن أناساً من أهل التجويد أخذوها صناعة، إما أن يزيدوا في القلقلة، أو نحو ذلك)).

وقال بعد أن بين أنه ينبغي تعلم التجويد: (مع أن العلماء رحمهم الله سهلوا في أمر ابدال الضاد ظاء لا سيما من يعجزه النطق بالضاد، قال في " الاقناع وشرحه ": وحكم من أبدل منها ـ أي الفاتحة ـ حرفاً بحرف لا يبدل كالألثغ الذي يجعل الراء غيناً ونحوه حكم من لحن فيها لحناً يحيل المعنى، فلا يصح أن يؤم من لا يبدله لما تقدم. إلا ضاد (المغضوب) و (الضالين) إذا أبدلها بظاء فتصح إمامته بمن لا يبدلها ظاء، لأنه لا يصير أمياً بهذا الإبدال وظاهره واو علم الفرق بينهما لفظاً ومعنى كما تصح أمامته بمثله، لأن كلاً منهما ـ أي الضاد والظاء ـ من طرف اللسان ومن الأسنان)).

هناك فرق بين تعلم التجويد والنحو، فالناس قد فسد إعرابهم ولكن لم يفسد نطقهم السليم للحروف العربية.

المبالغات العظيمة في الماضي وفي زمننا هذا على وجوب التنطع بالنطق ومن تلك المبالغات ما كتبته إحدى جرائد مصر عن الشيخ محمد غفر الله حينما صلى في الحرم فخرجت من الغد على الناس بعنوان (إمام الحرم يلحن في الفاتحة)

وهذا غير غريب إذا اعتبروا اللحن هو النطق السوي من غير مراعاة التشدق في إخراج الحروف.

ومن المبالغات قول صاحب غاية المريد: (اجمعت الأمة المعصومة على وجوب التجويد و ذلك من زمن النبي إلى زماننا و لم يختلف فيه منهم أحد) وهذا إلباس على الناس؛ إذ مفهوم التجويد غير متفق عليه، ولم يتفق على تعريف دقيق له، فكيف تجتمع الأمة على وجوب الأخذ به؟

ومنها قول بعضهم أن آخر من نطق بالضاد بعد النبي صلى الله عليه وسلم هو عمر، وهذا يفضي إلى اجتماع الأمة على اللحن الخفي.

والله أعلم، وأشكر القا ريء الكريم على مروره ...

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير