ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[15 Jul 2004, 05:28 م]ـ
أخي الكريم عبد الله
أشكرك على ما سطرت يداك، وإني لمسرور بمثل هذا النقاش الهادف، وسأضع لك في هذا التعقيب بعض النظرات التي أرجو أن تكون صوابًا خالصة لوجه الله.
وإني لأعتذر مُسبقًا عن ما يقع لي من بعض العبارات بسبب الحماس في إبراز الفكرة، لكني أتبرأ من كل لفظ يُفهم منه أن فيه تنقُّصًا للعلماء، أو لمن يناقشني، فأرجو ممن يقرأ لي أن ينبهني عما يقع من بعض العبارات التي قد تُفهم خطأ.
وهذا أوان التعليق على مقالكم الماتع حفظني الله وإياكم، وسدد خطانا.
************
قولك: (إذ لو سلم نطق القراء بالمد تقديراً وبالإشمام، والقلقلة (والإرجاع؟) والروم لما اختلف العلماء في وجوب التجويد على هيئته الاصطلاحية المدونة في كتب المجودة.)
أولاً: من أين جاء القراء بهذه الأمور؟
أمن عند أنفسهم؟
أم تلقوها؟
إن كانت من عند أنفسهم، فأين إثبات ذلك؟
وإن كانوا تلقوها، وهذا هو الحاصل، فالأولى اتباعهم في ذلك، فهم قد نقلوا حروفه وأداءه.
فإن ثبت في شيء من الأداء اجتهاد مجتهدٍ فهنا يقع الجدل، ويكون الأمر غير مسلم للمجودين.
ثانيًا: أنا لم أوجب التجويد في كلامي، وكلامك منصبٌّ على هذا، لكني أقول إنه في أقلِّ أحواله سنة مشروعة منقولة عن أئمة القراءة الذين رضينا عنهم نقل حروف القرآن، وتلقينا من طريقهم كيفية نطقها، فالتفريق بين هذين الأمرين المتلازمين أمر عسير، فكيف نقبل عنهم القراءة: (بضنين) والأخرى (بظنين)، ولا نقبل منهم كيف يكون أداؤهما وأداء غيرهما من الأحرف؟
فمن سلَّم للقراء بنقل الحروف، لزمه أن يسلِّم بنقل الأداء، إذ لم يثبت في الأداء نقل عن غير القراء، وهم المرجع في معرفة ذلك، والحكَم الذي يفصل في هذه الأمور.
************
قولك: (ولاستدل القائلون بوجوب التجويد بأن النبي صلى الله عليه وسلم مد خمساً قبل الهمز، و ثنتان مداً طبيعياً ونطق الغنة مقدار حركتين وغير ذلك، لكن لما لم يوجد دليل يدل على مقدار الحركات عدنا لتعريف التجويد بأنه علم يراد به تحسين القراءة لا غير، وأنه من علوم الآلة لا من علوم الشرع، فهو كالنحو وغيرها يصلح به اللسان ولايلزم تعلمه للمجيد)
أولاً: لنبتعد عن قضية الوجوب، فليس عليها ما يدلُّ من جهة الأدلة.
ثانيًا: حديثك هنا عن المقادير، وقد بيَّنت في كلامي الذي رجعت إليه أمرين:
الأول: أنَّ وجود المد والغنة له أصل، وهو عربي قرائي بلا ريب.
ثانيًا: أن المقادير بالحركات قد دخلها الاجتهاد، وإنما وقع الخلاف في تقدير المدِّ ـ مثلاً ـ لكونه مما لا يمكن ضبطه ضبطًا دقيقًا، وهذا مما لا ينكره أحدٌ فيما أعلم.
وإذا كان تقدير الحركات راجع إلى الاجتهاد، فإن هذا لا يعني أنَّ الأصل الذي قُدِّرت له الحركات لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ثالثًا: علم التجويد علم مشافهة وتلقي، وهو مأخوذ بالسند الآخر عن الأول، وله أعلامه الذين ضبطوا أصوله، وكون الكتابة فيه متأخرة لا تعني عدم أصليَّته، ولا أنه علم مبتدع نشأ من فراغ، أو من اجتهاد مجتهدين.
أما علم النحو فالحال فيه معروف، ولا يمكن أن يكون شأنه من جهة اتصاله برسول الله صلى الله عليه وسلم كاتصال التجويد.
وكونك تطلق على التجويد أنه من علوم الآلة أو من غيرها، فهذا لا يغيِّر حقيقة هذا العلم، ولا يقدح في تأصيله وارتباطه بالإسناد المتصل مطلقًا.
رابعًا: ما الدليل الذي تريد أن تعتمد عليه في أصل الحركات أو تقديرها؟
أليس أهل كل فنِّ يُرجع إليهم في فنِّهم، فما بال هؤلاء القراء المساكين لا يؤبه لما عندهم من العلم؟
إنَّ مقام الاستدلال هنا مقام فقهي بحت عند من يريد الدليل، وليس الأمر كذلك، فالفقهاء بمعزل عن هذا العلم، وحقُّهم أن يسلِّموا لأهل الأداء بما عندهم إلا ما ثبت بالدليل بطلانه.
وكيف يثبت بطلان ما يروونه بالأسانيد المتصلة، ويتفق عليه قراء المشرق والمغرب، وتتصل أسانيدهم كلهم بالصحابة الكرام، أفستطاع هؤلاء على تباعد أقطارهم أن يتوافقوا على وضع هذا العلم، وينشئون له أُسُسًا، ويُؤخذ عنهم بالتلقي من أجيالٍ متقادمة متصلة بجيل الرسول صلى الله عليه وسلم؟
¥