قولك: (الثالث: أنه لو لزم الناس النطق بالقرآن مجوداً للزمهم النطق بالعربية مجوداً في خطاباتهم وكلامهم العربي وهذا لم يقله أحد، وهذه القاعدة تخرج التجويد من كونه قاعدةً للنق إلى كونه علماً لتحسين الصوت وهذا مفاد كلام شيخنا ابن عثيمين حيث قال: ((لا أرى وجوب الالتزام بأحكام التجويد التي فصلت بكتب التجويد، وإنما أرى أنها من باب تحسين القراءة، وباب التحسين غير باب الإلزام، وقد ثبت في صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سئل كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كانت مداً قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم. يمد ببسم الله، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم.
والمد هنا طبيعي لا يحتاج إلى تعمده والنص عليه هنا يدل على أنه فوق الطبيعي، ولو قيل: بأن العلم بأحكام التجويد المفصلة في كتب التجويد واجب للزم تأثيم أكثر المسلمين اليوم، ولقلنا لمن أراد التحدث باللغة الفصحى: طبق أحكام التجويد في نطقك بالحديث، وكتب أهل العلم، وتعليمك، ومواعظك، وليعلم أن القول بالوجوب يحتاج إلى دليل تبرأ به الذمة أمام الله عز وجل في إلزام عباده بما لا دليل على إلزامهم به من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو إجماع المسلمين وقد ذكر شيخنا عبد الرحمن بن سعدي في جواب له أن التجويد حسب القواعد المفصلة في كتب التجويد غير واجب)
في هذا الكلام أمور:
الأول: إنك ما زلت تدندن على وجوب التجويد، وأنا لا أرى وجوبه، فأخرج عن هذا إلى:
الثاني: وهو أن من قال بالتجويد لم يقل بأن كلام العرب كان موجوَّدًا كتجويد القرآن، ومن زعم هذا فقد أخطأ، وليس عنده في هذا دليل، فهذه الكتب التي حكت لغة العرب ونحوها ليس فيها ما يدلُّ على هذا القدر الزائد عند القراء.
والمقصود أنه ليس هناك تلازم بين القول بالتجويد في القراءة والقول بالتجويد في الكلام المعتاد أبدًا.
وما دمت ذكرت التلازم بين الكلام العربي والتجويد، فأرجو أن تستقرئ أول كتاب في النحو (الكتاب) لسيبويه، وسطِّر ما يمرُّ عليك مما له علاقة بالقراءة، فالكتاب كتاب نحو يبيِّن منطق العرب وأدائها في لغتها، وإنك ستجد كثيرًا من المباحث التجويدية من جهة العربية فحسب:
ستجد المدَّ والإدغام (يشمل أحكام النون وغيرها) والمخارج، والصفات، والروم والإشمام والسكون المحض، وغيرها.
وإذا قرأتها فليس لك في فهما سوى التصوُّر، ولا يمكنك أن تطبِّق شيئًا منها، وتقول هكذا تنطق العرب إلا في بعضها.
ولو قلت لك: ذكر سيبويه في باب الروم والإشمام أن الروم يقع في المفتوح، كيف يُنطق هذا؟
فالجواب: لا أنا ولا أنت نعرف كيفية النطق، إذ ليس عندنا إسناد متصل إلى العرب بالمشافهة في هذه الحيثية.
لكن لو قلت لمقرئٍ: كيف نقرأ بالروم في لفظ (تأمنَّا) لقرأ لك به، ولما أعياه ذلك؛ لأنه أخذه مشافهة عن شيخه، عن شيوخه، يوصلون ذلك إلى عصر الرسول صلى الله عليه وسلم.
والذي أريده هنا:
ـ أنَّ كثيرًا من أمور التجويد عربية الأصل، قد ذكرها النحاة واللغويون في كتبهم، وعنهم نقل متأخرو المجودين كمكي بن أبي طالب في كتابه الرعاية، والداني في كتابه التحديد في الإتقان والتجويد ومن جاء بعدهم ممن أصل هذا العلم بالتدوين.
ـ وأن القراء فَاقُوا أهل العربية فيها بالتلقي والمشافهة، فما تراهم توافقوا فيه ـ وذلك أمر لابدَّ منه لأن القرآن عربي ـ فإنه لا يمكنك تلقيه منطقًا وقراءة إلا من طريق القراء الذي اعتمدوا المشافهة.
************
(ولتكن دائرة الحوار مبسوطة حول التجويد بمعناه الاصطلاحي الشامل للإدغام والإظهار والإخفاء والإقلاب وإخراج الحروف من مواضعها والمد والروم والقلب والإشمام وغيرها
من الأحكام المبسوطة،وأعني بذلك إخراج مفهوم التجويد اللغوي الذي هو بمعنى تحسين القراءة فهذا لا إشكال في الاتفاق عليه للأمر به في أحاديث كثيرة، ولهذا عنونت للموضوع ب (بمفهومه المعاصر).
فالخلاف يدور حول مدد المد، ومقدار الغنة والإقلاب، والقلقلة، ومايحصل به الإظهار من الحلق لحروفه، والإشمام، فهل دل عليها من السنة النبوية دليل واحد؟)
¥