ـ[يحيى الشهري]ــــــــ[03 Dec 2005, 11:11 م]ـ
قال أ. د.غانم وفقه الله: (ولا يكاد يجد المتتبع للموضوع سبباً لتضعيف حفص القارئ غير هذه الرواية، وصار كثير من المؤلفين في الجرح والتعديل يذكرون تضعيف حفص القارئ من غير ذكر العلة، على نحو ما مر في النص المنقول عن ابن الجوزي، باعتبار أن تضعيفه أمر ثابت قرَّره كبار علماء الجرح والتعديل، ولم يدركوا أن ذلك التضعيف انبنى على أساس غير صحيح) اهـ.
قلت: ليس السبب في تضعيف حفص بن سليمان هذه القصة، فقد فندنا هذا التصور في الوقفة السابقة، بصورتها المنقولة عن شعبة. وقد رأيت ابن حبان في (المجروحين) ([1]) تصرف في سياقها على نحو جعلها من قبيل الجرح، فقال: (كان يأخذ كتب الناس فينسخها ويرويها من غير سماع).
وهذا لو صح لكان من قبيل الجرح المفسر، وهذا ما فهمه الدكتور غانم وأراد بهذا نسف جرح حفص بن سليمان من جذوره ولا يتأتى له هذا عند ابن حبان فكيف به عند غيره ممن لم يعرض للقصة أصلاً.
أما كونه لا يتأتى هذا عن ابن حبان فلأنه قال قبل هذه الجملة: (كان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل). وهذا من أسباب ضعفه عند ابن حبان.
أما غيره من النقاد فلم يصرحوا بما صرح به ابن حبان وبقيت ألفاظهم مجملة، ومنهم من صرح بالنكارة أو البطلان في الروايات.
فظهر أن سبب الضعف متعلق بالضبط لا بالعدالة، وهو ما عبر عنه بعضهم بقوله (متروك الحديث). وعبر عنه بعضهم بقوله: (أحاديثه كلها مناكير). وبعضهم قال: (يحدث ... أحاديث بواطيل). وقد جمع ابن عدي في (الكامل) ([2]) طرفًا من هذه الأحاديث المنكرات، وقال: (وعامة حديثه عمن روى عنهم غير محفوظة).
يعني أنه تفرد بها، وهو ممن لا يحتمل تفرده .. وهذا هو السبب في ضعفه بل ترك حديثه على الحقيقة.
إذا عُلم هذا .. ظهر أن ما يدندن حوله الأستاذ الدكتور غانم قدوري من أن ((ذلك التضعيف انبنى على أساس غير صحيح)) غير صحيح.
---الحواشي ----
([1]) المجروحين (1/ 255).
([2]) الكامل (2/ 382).
ـ[يحيى الشهري]ــــــــ[03 Dec 2005, 11:13 م]ـ
((2) يحيى بن معين، أبو زكريا البغدادي (ت233هـ): يبدو أن يحيى بن معين لم يكن يعرف حفص بن سليمان الأسدي الكوفي معرفة شخصية، وليس هناك ما يؤكد أنهما التقيا في بغداد أو في غيرها من المدن)) اهـ.
حاول الأستاذ الفاضل التشكيك في قول ابن معين بعدم معرفته بحفص بن سليمان، وهذا لا أراه صوابًا، وذلك لأن طريقة المحدثين في الحكم على الرواة تأخذ منحيين مشهورين:
أولهما ـ معرفة عدالة الراوي .. فمن الرواة من تعرف عدالته الظاهرة والباطنة .. ونقصد بعدالة الظاهر سلوكه أمام الناس. ونقصد بعدالة الباطن هنا سلوكه غير الظاهر الذي لا يعرفه أكثر الناس.
ومعرفة العدالة ظاهرًا وباطنًا مبناها على اختبار الأحوال، والنظر في الأفعال, ولا يحصل هذا إلا باللقي والمشاهدة مدة ليست باليسيرة، كالقرابة والتلمذة والاتفاق في البلد.
ومن الرواة من تعرف عدالته في الظاهر دون الباطن .. فكل من كان مستور الحال لم يظهر منه مكفر أو مفسق فهو عدل حتى يتبين ضد ذلك .. لأن الأصل في الناس العدالة وعلى هذا جماعة من متقدمي النقاد، وهو الأظهر من منهج صاحبي الصحيح، فإذا سبر حديث هذا الضرب من الناس فأشبه أحاديث الثقات كان حديثه صحيحًا .. ومن كان هذا سبيله يكفي في تعديله أدنى معرفة. وهذا لا بأس من معرفة عدالته بالاعتماد على الأخرين.
فلا تحصل المعرفة بعدالة الظاهر والباطن إلا بالمعاشرة وطول الصحبة في الحضر والسفر، والتعامل معه في بيع وشراء ونحوه، ومعرفة أمانته وستره وصيانته.
وابن معين من عادته أنه يستقصي عن أحوال الرواة، كصنيعه بالسؤال عن حفص، وهذه الطريقة هي المصدر الأول من مصادر النقد عند ابن معين وغيره فيمن لم تعرف عدالته الباطنة.
لكن حفص بن سليمان من أهل الكوفة، وقد دخلها ابن معين مرارًا، ثم انتقل إلى بغداد في حياة ابن معين، فلا أستبعد أنه لقيه وعرفه، وإنما احتاج إلى الاستفسار عن مكانته في القراءة، عندها سأل أهل الاختصاص.
¥