* فهذا علي بن عاصم الواسطي كان من أهل الحديث، ومن أجل الناس منزلة، وأكثرهم حضورًا وتحديثًا.
وقال يحيى بن جعفر البيكندي: كان يجتمع عند علي بن عاصم أكثر من ثلاثين ألفًا، وكان يجلس على سطح وله ثلاثة مستملين ([21]).
قال يعقوب بن شيبة: سمعت علي بن عاصم على اختلاف أصحابنا فيه، منهم من أنكر عليه كثرة الخطأ والغلط، ومنهم من أنكر عليه تماديه في ذلك وتركه الرجوع عما يخالفه فيه الناس ولجاجته فيه وثباته على الخطأ، ومنهم من تكلم في سوء حفظه واشتباه الأمر عليه في بعض ما حدث به من سوء ضبطه وتوانيه عن تصحيح ما كتبه الوراقون له، ومنهم من قصته عنده أغلظ من هذا، وقد كان رحمه الله من أهل الدين والصلاح والخير البارع وشديد التوقي لكن للحديث آفات تفسده ([22]).
وقال عمرو بن علي: فيه ضعف وكان إن شاء الله من أهل الصدق ([23]). فانظر ما ذا قال فيه ابن معين، قال: كذاب ليس بشيء ([24]). واستفصل يعقوب بن شيبة في شأنه فروى عنه قوله: ليس بشيء ولا يحتج به. قلت: ما أنكرت منه؟ قال: الخطأ والغلط، ليس ممن يكتب حديثه ([25]).
وقال ابن أبي خيثمة: قيل لابن معين: إن أحمد يقول: إن علي بن عاصم ليس بكذاب. فقال: لا والله! ما كان علي عنده قط ثقة، ولا حدث عنه بشيء، فكيف صار اليوم عنده ثقة؟! ([26]). وهذا يؤيد ما ذهبت إليه من تفسير تكذيب ابن معين لحفص.
* وهذا عامر بن صالح بن عبد الله بن عروة بن الزبير بن العوام. سئل عنه أحمد فقال: ثقة لم يكن يكذب. وقال ابن معين: كذاب.
وقال أبو داود: سمعت يحيي بن معين يقول جن أحمد يحدث عن عامر بن صالح.
وقال ابن معين أيضا: ليس بشيء يروي عن هشام، عن أبيه، عن عائشة: أن النبي (صلي الله عليه وسلم) قال: "إياكم والزنج فإنة خلق مشوه" ([27]).
* وهذا عبدالرحيم بن زيد العمي. قال البخاري: تركوه. وقال الجوزجاني: غير ثقة. وقال أبو حاتم: ترك حديثه. وقال أبو زرعة: واه. وقال أبو داود: ضعيف
أما ابن معين فقال: كذاب. وقال مرة: ليس بشيء ([28]).
فلم يكن ابن معين يتورع من تكذيب الكبار إذا تبين له خطأهم وغلطهم، لا يحابي في ذلك أحدًا.
فأرى أنه ينبغي أن نفهم إطلاقه القول بكذب حفص القارئ في سياق أقواله الأخرى، فقد وردت عن ابن معين روايات في شأن حفص بن سليمان ليس فيها إطلاق الكذب كما مر معنا، وهذا سيعزز التفسير الذي اخترناه لمعنى كلمة (وكان حفص كذابًا) .. فمرة قال: ليس بثقة كما في رواية الدارمي ([29])، والليث بن عبيد ([30]). وفي رواية أحمد بن محمد الحضرمي: ليس بشيء ([31]).
وهذه العبارات فيها إجمال يحتاج لتفسير: ففي رواية الدارمي: (سألت يحيى بن معين عن حفص بن سليمان الأسدي الكوفي كيف حديثه؟ فقال: ليس بثقة).
فهذه فسرت أن مراد ابن معين بالتضعيف منصرف إلى الحديث والرواية وليس إلى العدالة، لأن السؤال اتجه إلى حديثه فكان هذا الجواب.
وكذلك رواية الليث بن عبيد: (سمعت يحيى بن معين يقول: أبو عمر البزاز صاحب القراءة ليس بثقة، هو أصح قراءة من أبي بكر بن عياش وأبو بكر أوثق منه).
فإنها صريحة في التفريق بين الرواية والقراءة .. فقوله (ليس بثقة)، وقوله (أبو بكر أوثق منه) مختص برواية الحديث كما هو ظاهر اللفظ.
أما القراءة فقراءته أصح من قراءة أبي بكر بن عياش على رأي أيوب بن المتوكل وهو من القراء البصراء.
أما قوله: (ليس بشيء) فهي تعني الضعف الشديد إذا قرأناها وفق أقواله الأخرى .. ولذا لا يصح والحال ما ذكرت أن يصرف إطلاق ابن معين الكذب عليه إلى العدالة، بمعنى أنه يختلق الأحاديث ويضعها كما يدل عليه ظاهر كلام عبدالرحمن بن يوسف بن خراش الناقد المشهور.
كما لا يصح كذلك أن ينصرف فهمنا لعبارة ابن معين إلى ضعف الرجل مطلقًا في القراءة والرواية، لأن في ثنايا النص ما يردها، ثم إن شهرته بصحة الرواية ليست مأخوذة فقط عن قول ابن معين وقبله أيوب بن المتوكل بل هذا شيء متواتر عند المحدثين وغيرهم.
وهذا فيه إنصاف لحفص بن سليمان، كما أن ضعفه في الرواية مما لا يكاد يختلف فيه المحدثون والنقاد المهرة، ولا يضره هذا في القراءة.
وسيتبين من دراسة أحاديثه صحة هذه النتيجة المسبَّقة، فليست القضية توارد على الخطأ أو سوء فهم في قراءة عبارات النقاد.
---الحواشي -----
([1]) الكامل (2/ 380)، ورواها الخطيب كذلك في تاريخ بغداد (8/ 186).
¥