والخطيب في روايته هذه اللفظة من طريق راوي كتاب (العلل) ([5]) الصواف، فثبت بهذا أن هذا التعديل في المنقري لا في المقرئ.
وكذلك أشك في الرواية الثانية عن حنبل فهي ذاتها الرواية المروية عن عبدالله بن أحمد كما يدل عليها السياق الوارد بها عند الخطيب: (روى عمر بن محمد الصابوني، عن حنبل، قال: سألته (يعني أباه) عن حفص بن سليمان المقرئ، فقال: هو صالح).
قارنها بقوله في الرواية الأولى: (عبد الله بن أحمد بن حنبل سألته (يعني أباه) عن حفص بن سليمان المقرئ، فقال: هو صالح). ستجد أنها تتفق تمامًا في السياق، فيحتمل أنهما سمعاها منه في مجلس واحد، أو أن أحد الرواة نسبها لحنبل وهي لعبدالله، وهذا الاحتمال الأخير لست على يقين منه.
ثم إن الرواية معلقة لم يروها الخطيب مسندة كحال بقية الروايات، وهذا أدعى للشك فيها.
أما الرواية الثالثة فالاحتمال قائم كذلك أن يكون المقصود بها المنقري تصحفت نسبته على الخطيب، فإن صح ظني زال التعارض الواقع بين روايات التعديل الثلاث وبين الروايتين الأخريين، اللتين ثبتتا عن عبدالله وحنبل، وهي قوله: (متروك الحديث) .. وهي التي يصار إليها لأمور أربعة:
1 ـ أن هذا الجرح هو الذي يتفق مع ما قرره غيره من النقاد، فلا يستقيم تشهير روايات التعديل والتنويه بها على ما فيها من ظنون واحتمال أن تكون في غيره، وترك قوله: (متروك الحديث) الثابتة، وليس هناك احتمال أن تكون قيلت في غيره، لأن من يشتبه معه وهو حفص المنقري قد جزمنا بتوثيقه عند النقاد كافة.
2 ـ أنها من آخر ما استقر عليه الإمام في شأن هذا الرجل؛ لأنها مما كتب به ابنه عبدالله (290هـ) بعد وفاة أبيه (241هـ) بسنين طويلة إلى ابن أبي حاتم (327هـ). فينسخ قوله المتأخر كل أقواله المتقدمة .. على ما هو مقرر في علم التاريخ.
أما ما استظهره الأستاذ من أن ابن أبي حاتم وهم في ذلك فهذا ليس بصحيح، فقد ثبتت الرواية في (العلل) ([6]) وفيه تقرير أنه القارئ، وهو قوله: (سمعت أبي يقول: حفص بن سليمان ـ يعني أبا عمر القارىء ـ متروك الحديث). وهذا البيان من عبدالله بن أحمد وهو أعرف بمراد أبيه.
أما إلزامه ابن أبي حاتم بالوهم الذي وقع في نسبة قول شعبة إلى حفص القارئ بدلاً من المنقري، فلا لوم عليه لأن الذي وقع فيه والده لا هو، وقد تبع فيه أبو حاتم البخاري.
3 ـ لوسلمنا بصحة التعديل الوارد عن أحمد بلفظ: (هو صالح)، و (ما كان به بأس) فهي من أدنى مراتب التعديل، وليس فيها ما يدل على صحة حديثه وخلوه من النكارة، التي تركه من أجلها المحدثون.
وربما يكون قالها أحمد فيه قبل استبانة حاله، فلما استبان له حاله أطلق القول بتركه.
4 ـ مما يؤكد أنه عند أحمد في عداد المتروكين أنه لم يخرج له في (المسند) ولو حديثًا واحدًا .. مع أنه قد خرج لجماعة من الضعفاء.
----الحواشي -------
([1]) تاريخ بغداد (8/ 187).
([2]) تاريخ بغداد (8/ 187).
([3]) تاريخ بغداد (8/ 187).
([4]) العلل (1: 420/ برقم 917)، وهي كذلك عند ابن شاهين في تاريخ أسماء الثقات برقم (291).
([5]) العلل (1: 127).
([6]) العلل (2: 380/ برقم 2698).
ـ[يحيى الشهري]ــــــــ[03 Dec 2005, 11:55 م]ـ
(4) عُبيد بن الصبَّاح الكوفي ثم البغدادي، تلميذ حفص:
نقل الذهبي عن أحمد بن سهل الأشناني (ت307هـ) أنه قال:" قرأت على عبيد بن الصباح، وكان من الورعين المتقين، قال قرأت القرآن كله على حفص بن سليمان، ليس بيني وبينه أحد". ويدل قول عبيد هذا على افتخاره بأخذه القراءة عن حفص مباشرة، ولو كان حفص بالصورة التي تصورها كتب الجرح والتعديل من كونه متروك الحديث، كذاباً، لما كان لقوله معنى، لاسيما أن تلميذه أحمد بن سهل وصفه بأنه كان من الورعين المتقين.
قلت: تأملت هذا النقل فلم أر فيه ما يدل على تعديل حفص بن سليمان لا من قريب ولا من بعيد، سواءً كان ذلك فيما يخص القراءة أو ما هو أعم من ذلك؛ لأن مجرد أخذه للقراءة عن شيخه لا يعني تعديلاً له، فليس في هذه العبارة إلا بيان كيفية تلقي القرآن الكريم من حفص وأن ذلك بدون واسطة فالتعديل للتلميذ لا للشيخ والميزة لروايته وكيفية تلقيه لا لشيخه.
ـ[يحيى الشهري]ــــــــ[03 Dec 2005, 11:56 م]ـ
(5) الفضل بن يحيى الأنباري، تلميذ حفص:
ذكر أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري أنه أخذ رواية أبي عمر حفص بن سليمان، عن أبيه، وقال أبوه:" أقرأني عمي أحمد بن بشار بن الحسن الأنباري، عن الفضل بن يحيى الأنباري، عن أبي عمر، عن عاصم. قال أبي: قال لي عمي: كان الفضل قد أقام بمكة مجاوراً حتى أخذ القراءة عن أبي عمر".
ونقل ابن الجزري عن الفضل أنه قال:" قرأت على حفص وكتب لي القراءة من أول القرآن إلى آخره بخطه"، وفي قول الفضل هذا من الفخر والاعتزاز ما يدل على ثقته بشيخه أبي عمر حفص بن سليمان القارئ)).
قلت: الثقة موجودة عند كل القراء والمحدثين بحفص بن سليمان ولا نجادل في هذا، ولكن لا نأخذ من هذا النص كذلك التعديل والتوثيق الذي ينشده الأستاذ غانم .. ويؤخذ من القصة تواضع حفص القارئ، وكتابته القراءة بكاملها لتلميذه.
¥