القرآن الكريم يُتْلَى اليوم بالقراءة التي رواها عن شيخه عاصم بن أبي النجود في معظم بلدان المسلمين، ونرجو أن ينال من الثواب ما هو أهل له، وما هو جدير به، شهدنا بما علمنا، ولا نزكي على الله أحداً)) اهـ.
لعله من المناسب في ختام هذه الوقفات أن نتعرض بالتفصيل لمكانة حفص بن سليمان وفي القراءة وضبطها وتميزه على أقرانه في هذا الفن .. من باب (واتبع السيئة الحسنة تمحها) .. (إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكر للذاكرين) .. فلا شك أن حفص بن سليمان المقرئ الكوفي من حملة كتاب الله، ومن المقرئين الكبار الذين نقلوا لنا قراءة عاصم مسندة، وأفنوا أعمارهم في تعليمها في الكوفة، ثم بغداد، ثم مكة المكرمة.
قرأ عليه عرضًا وسماعًا: حسين بن محمد المروزي ([1])، وحمزة بن القاسم ([2])، وخلف الحداد ([3])، وصالح بن محمد أبو شعيب القواس المقرئ ([4])، وعبيد بن الصباح الإمام أبو محمد الكوفي المقرئ ([5])، وعمرو بن الصباح بن صبيح الكوفي المقرئ الضرير ([6])، وهبيرة بن محمد التمار أبو عمر الأبرش المقرئ ([7]).
وهو من أضبط أصحاب عاصم بن أبي النجود.
قال الخطيب ([8]): قرأ عليه القرآن مرارًا، وكان المتقدمون يعدونه في الحفظ فوق أبي بكر بن عياش، ويصفونه بضبط الحرف الذي قرأ به على عاصم.
قال أيوب بن المتوكل: قراءة أبي عمر البزاز أثبت من قراءة أبي بكر بن عياش ([9]).
وقال ابن عدي في (الكامل) ([10]): ثنا أحمد بن علي بن الحسن المدائني، ثنا الليث بن عبيد، قال: سمعت يحيى بن معين يقول: أبو عمر البزاز صاحب القراءة ... هو أصح قراءة من أبي بكر بن عياش ... اهـ.
وقال أبو هشام الرفاعي كان حفص أعلمهم بقراءة عاصم ([11]).
قال أبو بكر بن مجاهد: بين حفص وأبي بكر من الخلاف في الحروف في خمس مئة وعشرين حرفًا في المشهور عنهما ([12]).
وقال حسين الجعفي: سمعت حفص بن سليمان يقول: قلت لعاصم: أبو بكر يخالفني، فقال: أقرأتك بما أقرأني أبو عبدالرحمن السلمي، وأقرأته بما أقرأني زر بن حبيش ([13]).
وقال أبو الحسين بن المنادي: قرأ حفص على عاصم مرارًا، وكان الأولون يعدونه ي الحفظ (يعني القراءة) فوق أبي أبي بكر، ويصفونه بضبط الحروف التي قرأ على عاصم. أقرأ الناس دهرًا، وكانت القراءة التي أخذها عن عاصم ترتفع إلى علي (رضي الله تعالى عنه) ([14]).
وقال ابن عساكر ([15]): أخبرنا أبو المظفر وأبو القاسم، قالا: أنا أحمد بن إبراهيم، نا أحمد بن الحسن، قال: قرأت على أبي الحسن علي بن محمد المقرئ، قال: قرأت على أبي الحسين بن زرعان الدقاق، ومنه تعلمت وعليه تلقنت، وكان رجلاً صالحًا، قرأ في مسجد أبي عمر على جماعة من أصحاب أبي عمر منهم: أبو حفص عمرو بن الصباح وغيره، وهم قرءوا على أبي عمر حفص بن سليمان، وقرأ حفص على عاصم، وقرأ عاصم على أبي عبد الرحمن السلمي، وقرأ أبو عبد الرحمن على عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وزيد بن ثابت. قال حفص: ما خالفت عاصمًا إلا في حرف واحدٍ. وقال عاصم: ما خالفت أبا عبد الرحمن في شيء من القرآن.
وقال: قرأت بخط أبي الحسن الحنائي، أنبأنا أبو طاهر محمد بن الحسن بن علي المقرىء الأنطاكي سنة سبع وسبعين وثلاثمائة وحضر معي أبي، أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرزاق بن الحسن الأنطاكي المقرىء، حدثنا عبد الصمد بن محمد بن أبي عمران المقدسي، حدثني أبو حفص عمر بن الصباح، قال: روى لي هذه القراءة أبو عمر حفص بن سليمان، وذكر حفص أنه لم يخالف عاصمًا في شيء من قراءته إلا في حرف في الروم الله الذي خلقكم من ضُعف بضم الضاد.
وذكره عن الفضيل بن مرزوق، عن عطية العوفي، عن ابن عمر عن النبي (صلى الله عليه وسلم) ([16]).
قال حفص بن سليمان: قال لي عاصم: ما كان من القراءة التي أقرأتك بها فهي القراءة التي قرأت بها على أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي (رضي الله عنه)، وما كان من القراءة التي أقرأت بها أبا بكر بن عياش فهي القراءة التي كنت أعرضها على زر بن حبيش، عن ابن مسعود (رضي الله عنه) ([17]).
¥