تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

خلق الله الشفتين للإنسان وهما من أعضاء النطق المهمة, فهما يتحركان بحرية في اتجاهات متعددة , وتأخذان أوضاعا مختلفة حال النطق، ويؤثر ذلك في نوع الأصوات المسماة بالحركات , وقد تنطبق الشفتان انطباقا تاما كما قد تنفرجان ويتباعد ما بينهما إلى أقصى حد. ومن بين هاتين الدرجتين من الانطباق والانفراج درجات مختلفة, ويحدث الانطباق التام في نطق الباء, ويحدث انفراج كبير في كثير من الأصوات كالكسرة العربية ومع بعض الأصوات الأخرى. وتختلف عادات البشر في استغلال حركة الشفتين والانتفاع بهما في إنتاج الأصوات فمن الشعوب من تتميز عادات النطق لديهم بكثرة الحركة في الشفتين, ومنهم من يقتصد ...

قال تعالى ممتنُّا على عباده بنعمة اللسان والشفتين (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ) (وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ) والله سبحانه وتعالى خلق الشفتين لفوائد كثيرةٍ , ومن هذه الفوائد: إضفاءُ مسحةٍ خاصةٍ على جمال منطق الإنسان , وهيَّأ فيهما عضلاتٍ تستجيب لأوامر الإنسان في أي لحظة , فإذا نشّط هذه العضلات , وأيقظها بالضم والفتح , والإطباق , والضغط عليها وترويضها , فإنها ستستجيب له وتعطيه الهيئة المطلوبة لنطق أي حرفٍ , ولا شك أن ذلك سيساعد الفك على المرونة في النطق , فعلى من يرغب بتحسين تلاوته أن يتنبَّهَ إلى هذا , وأن يسمع النطق الصحيح من المشايخ , ثم يتدرّب عليه , وَيُرَوْضَ شفتيه على تحسينه , ورحم الله الإمام ابن الجزريّ إذ يقول عن التجويد:

وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَرْكِهِ إلاّ رِياضَةُ امْرِىء بِفَكِّهِ

وقال الشاطبي

- وَخَيْرُ جَلِيسٍ لاَ يُمَلُّ حَدِيثُهُ وَتَرْدَادُهُ يَزْدَادُ فِيهِ تَجَمُّلاً

ويبدو أن بروز الشفتين للعيان جعل علماء الأصوات المحدثين يكتفون في حديثهم عنهما ببيان الوظيفة التي تقومان بها في إنتاج بعض الأصوات , وهو عين السبب الذي جعل علماء العربية والتجويد يسلكون الطريق نفسه , فاكتفوا ببيان دور الشفتين في إنتاج الأصوات اللغوية , إلا أن الدركزلي ذكر بعض خصائصهما الحركية فقال: " ... بالشفتين المشتملتين على انطباق وانفتاح وحركة محكمة " يتم التغيير في مدارج الصوت.

{أهمية دور الشفتين في أصوات الكلام}

بعد التأمل الدقيق في مخارج الحروف نجد أن الشفتين لهما دور كبير جداً وأهمية في نطق جميع الحروف المفردة والمجتمعة , ويظهر دورهما بشكل بارز عند توالي الحروف المتباينة في الحركات كالضم مع الكسر , مثل: (أُمِرُوا) أو الضم مع السكون , مثل: (وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُحْضَرُونَ). وهذه ملاحظةٌ يغفل عنها الكثيرون , ولذلك فإن من لم يهتم بهيئة شفتيه عند نطق الحروف فإنها تخرج غير متقنة , فمثلاً عندما تنطق: إِيْ , تكون هيئة الشفتين مختلفة تماماً عندما أُوْ ... وإلخ ...

{التعريف بالمجرى الخيشومي مخرج صفة الميم}

كان سيبويه أول من استخدم كلمة الخياشم , ووضح أن الهواء يأخذ طريقه فيها عند نطق الميم ولكنه لم يبين المقصود منها. وتابع علماء التجويد سيبويه في استخدام كلمة الخياشم ومنهم الداني في التحديد وعبد الوهاب القرطبي في الموضح , لكنهم قدموا لنا توضيحا مناسبا لها , فقال مكي: " والخيشوم الذي تخرج منه الغنة , هو المركب فوق غار الحنك الأعلى " وجاء تعريف الداني للخيشوم أكثر وضوحا , وذلك حيث قال: " والخيشوم خرق الأنف المنجذب إلى داخل الفم " واستخدم عدد من المحدثين عبارة (الفراغ الأنفي) و (التجويف الأنفي) و (البلعوم الأنفي) بدل كلمة الخياشم , وهم يقصدون بذلك التجويف الذي يندفع خلاله الهواء حتى يخرج من الأنف. وعرَّفه الدكتور: خليل إبراهيم العطية في كتابه البحث الصوتي عند العرب بقوله: " وهو فراغ يندفع فيه الهواء عند انخفاض الطبق ليمر الهواء الخارج من الرئتين من خلاله عن طريق الآنف وعن طريق التجويف الأنفي تنطق النون والميم العربيتين "

والجمهور من العلماء يعرف الغنة بأنها مجرد خروج النفس المجهور من المجرى الخيشومي , قليلا كان ذلك النفس أم كثيرا , طويلا أم قصيرا , وقد أكدوا على ملازمة الغنة للنون والميم , كيفما جاءتا , فقال عبد الوهاب القرطبي عنهما: " ولأجل جريان الغنة فيها وفي الميم إذا طرأت على الخيشوم آفة تمنع الجريان رأيت النون أقرب إلى التاء , والميم أمسَّ بالباء "

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير