وكان الجعبري قد قال كلمة موجزة جامعة عنها , هي: " والغنة صفة النون , ولو تنوينا , والميم , تحركتا أم سكنتا , ظاهرتين أو مخفاتين أو مدغمتين , ... قال: وهذا معنى قول الداني: وأما الميم والنون فيتجافى بهما اللسان إلى موضع الغنة من غير قيد , وبرهانه سد الأنف , وهي في الساكن أكمل من المتحرك , وفي المخفي أزيد من المظهر , وفي المدغم أوفى من المخفي "
والغنة ليست بحرف كما ورد عن بعض العلماء بل هي صفة وصاحب هذا القول مكي رحمه الله فقد قال في رعايته " والغنة حرف مجهور شديد , لا عمل للسان فيها , والخيشوم الذي تخرج منه هذه الغنة هو المركب فوق غار الحنك الأعلى فهي صوت يخرج من ذلك الموضع " ومن ثَمَّ اعترض الجعبري على قول مكي السابق وأنكره وصنف في ذلك شعرا للرد عليه بقوله " جعله الغنة حرفا غير سديد بالمهملة , وإن أراد أنها ذات محل مغاير فلا يلزم منه حرفيتها قال: وإلى هذا أشرنا في العقود بقولنا:
والغنة أبْطلْ قولَ مكيًّ بها ... في أنها حرفٌ وأمَّ بياني
في أنها لا تَسْتِقيلُ بنفسها ... وتحلُّ حرفاً رَبَّةَ اسْتعلانِ "
والغنة تابعة لما بعدها من حيث التفخيم والترقيق أما من أجرى مراتب التفخيم الخمسة على الغنة الفخيمة فهو من عمل المحدثين ولا دليل أو نص عليه من علماء التجويد المتقدمين القدامى , بل هم أطلقوا العبارة , ونحن كذلك نطلق العبارة مثلهم.
{الميم صوت شفوي خيشومي مجهور مرقق}
قال سيبويه عن مخارج أصوت الشفة: " ومما بين الشفتين مخرج الباء , والميم والواو " وقد ردد بعض علماء التجويد عبارة سيبويه من غير زيادة ومنهم الداني في الإدغام الكبير وأحمد بن أبي عمر: في الإيضاح والمرادي في المفيد , وحاول بعضهم توضيح حالة الشفتين مع كل حرف من الحروف الثلاثة , فقال الداني: " غير أن الشفتين تنطبقان في الباء والميم , ولا تنطبقان في الواو بل تنفصلان " وقال على القارئ: " إلا أن الواو بانفتاح , والباء والميم بانطباق " وعلق المرعشي التركي على قول على القارئ فقال: " المراد من انفتاحهما في الواو انفتاحهما قليلا , وإلا فهما ينضمان في الواو , ولكن لا يصل انضمامهما إلى حد الانطباق "
الميم صوت شفويٌّ خيشومي مجهور مرقق , ويتم صوته بأن تلتصق الشفتان التصاقا تامَّا , يمنع مرور الهواء , وفي أثناء ذلك ينخفض الطبق نحو الجدار الخلفي للحلق , وينغلق التجويف الفموي , ويغير الهواء مجراه , فيخرج عن طريف المجرى الخيشومي , وتضيق المسافة بين الوترين الصوتيين ضيقا شديدا , يسمح بمرور الهواء , ويتذبذب الوتران الصوتيان , ويخرج الصوت مجهورا , وينخفض مؤخرة اللسان , بعيدا عن الطبق , وتضيق غرفة الرنين , ويخرج الصوت مرققا.
{مخرج صوت الميم من نصفين شفوي وخيشومي}
صوت الميم يخرج من بين الشفتين, ويتحقق ذلك بتصادم الشفة العليا بالسفلى كالباء , وهذا هو نصفها الأول, وعند إنتاج صوتها في المخرج يصاحبها مرور صوت من الجزء الخلفي للفم عبر الخيشوم , ويَحْدُث هناك رنين في صوتها , وهو ما يسميه العلماء بالغنة , وهذا نصفها الثاني , فيستنتج من ذلك أن صوت الميم يتحقق بمجموع عملين , الأول: أن تنطبق الشفتين على بعضهما , والثاني: وبسبب هذا الانطباق يغلق المخرج تماما فيتحول الصوت الخارج من الحنجرة عبر التجويف الأنفي في استمرار لتدفق الصوت من الأنف , فالصوت الخيشومي مصاحب لصوت الميم كيفما كانت سواء كانت ساكنة أو متحركة. قال مكي بن أبي طالب القيسي في كتابه الكشف عن وجوه القراءات: " ... وأما حروف الشفتين فأربعة: الفاء منفردة , ثم الباء والميم والواو أخوات ... "
{صفات صوت الميم من نصفين شديد ورخو}
من أحد الصفات التي لا تنفك عن الميم أن فيها نصفا شديدا ونصفا آخر رخوا من حيث جريان وحبس الصوت معها , فأما الشدة فيها فعندما تنطبق الشفتين ينحبس صوتها , والنصف الرخو فبسبب هذا الحبس لهواء الصوت في المخرج , يتحول الصوت ناحية المجرى الخيشومي , ولهذا اعتبرها علماء التجويد حرف بين الرخو والشديد. ووصفه الإمام النويري شارح طيبة النشر في القراءات العشر بأنه صوت مشوب: أي مخلوط من الرخاوة والشدة وذلك عند شرحه للأحرف البينية التي نظمها الحافظ ابن الجزري حيث قال: " فالجهر ضد الهمس والرخوة ضد الشدة الخالصة أو المشوبة: وهي ما
¥