قال الشيخ الضباع شيخ عموم المقارئ المصرية رحمه الله تعالى عند شرحه لحكم قلب النون الساكنة والتنوين من الإضاءة في أصول القراءة:" وهو أبدالهما عند ملاقاتهما الباء ميما خالصة تعويضا صحيحا ... ". وهنا لم يشر العلامة الضباع إلى ترك الفرجة بل قال ميما خالصة. وقال الشيخ الضباع في نهاية حديثه عن الإقلاب: " وليحترز القارئ عند النطق به من كز الشفتين على الميم المقلوبة في اللفظ، لئلا يتولد من كزهما غنة من الخيشوم ممطة، فليسكن الميم بتلطف من غير ثقل ولا تعسف)
وقد نقل الشيخ عبد الفتاح المرصفي هذا النص حرفيا في هداية القاري: , والمقصود بالكز عدم الضغط الزائد على الشفتين بحيث لا يرى الاحمرار , وهذا الاحتراز لا يترتب عليه أي تغيير في صوت الميم وتفصيل ذلك في أصل كتابي.
وحدثنا بعض الشيوخ الأصدقاء أن الشيخ: عبد العزيز عيون السود رحمه الله صهر أيمن سويد وهو من تلامذة الضباع كان يقرئ بالإطباق –حسب ما تلقى عن شيخه-إلى أن وصله اجتهاد الشيخ عامر، فاجتهد هو اجتهادا آخر في الستينات الميلادية وهو النطق بالنون المخفاة والميم المخفاة بغنة خالصة مع عدم إعمال عضو النطق –لسانا أو شفة- بتاتا، اعتمادا على ظاهر كلام ابن الجزري ومكي في الرعاية. فكلام الضباع يدل على الإطباق من عدة وجوه، وإن وجد أدنى لبس فإنه يزال بتلقي الشيخ عيون السود عنه، وإقرائه بالإطباق قبل ظهور الفرجة.
وأود التنبيه هنا إلى أن القائلين بالفرجة يختلفون في مقدارها فبعضهم يقول بأنها بمقدار ورقة، أو رأس قلم، أو حتى يرى بياض الأسنان، أو إطباق الشفتين من طرفيهما وفتحهما من الأمام، أو فتحهما بمقدار حركة ثم إطباقهما بمقدار حركة , وبعضهم يقول بقدر شعرة , فأقول لهم ما حكم من زاد شعرتين أو ثلاث هل يأثم؟!!!!!!!! وهناك تسجيل كامل على هذا النحو الأخير!! ونقول: لا فرق بين كل تلك الأقوال حيث لم يثبت منها شيء علميا ولا تُلقيا مسندا متصلا. بل إن تضارب هذه الأقوال دليل على الإطباق، من حيث أن الفرجة حيث وجدت- وجد الاختلاف في مقدارها، وما كان للعلماء أن يدعوا مثل هذا الاختلاف دهورا طويلة دون بيان
وكما قال علماء السلف قديما إذا كثرت الأقوال في مسألة عادة عليه بالجهالة أكثر ما تعود عليه بالعلم فإذا دخل الاجتهاد في مسألة كثرت الأقوال , فنسأله تعالى التوفيق للعمل بالنص لا العمل بالرأي والاجتهاد.
قال الشيخ مهيب وهو أحد الأصدقاء في بعض مقالاته المنشورة: أود التنبيه إلى أنه ورد نص أيضا عن الإمام طاهر بن غلبون (ت 399) وهو قوله: (وأما الميم مع الباء فهي مخفاة لا مدغمة، والشفتان أيضاً ينطبقان معهما) التذكرة بتحقيق الشيخ أيمن سويد وبعد تتبعنا للأسانيد التي جاءت بالفرجة وجدنا أنها لابد وأن تنتهي في طبقة من الطبقات إلى الإطباق.
وقد تلقيت القرآن الكريم بالقراءات العشر على الشيخ: عبد الرازق بن إبراهيم موسى وهو عضو لجنة تصحيح المصاحف بالمدينة النبوية، ومن المشايخ الأجلاء الذين ألفوا في علم القراءات، وكنت قد تلقيت عليه بالفرجة، ولا أعلم إلا أن الإطباق خطأ، وحين تبين لي أن التلقي كله بالإطباق اتصلت به وسألته –حفظه الله- كيف تلقيتم؟ فقال لي: بالإطباق، فسألته: وكيف تُلقى المشايخ عندكم؟ فقال: بالإطباق، وأكثرت الأسئلة عليه فقال لي مختصراً: "التلقي كله بالإطباق".
كما تلقيت على الشيخ الزيات بالفرجة، وبعد أن علمنا بالإطباق سافر إليه أحد الأخوة الفضلاء ممن قرؤوا علي وسأله هل تلقيتم بالفرجه؟ فأجاب رحمه الله: لا. ومن ذلك: الأسانيد المنتهية إلى الضباع وتلميذه الشيخ عبد العزيز عيون السود رحمهما الله حيث كان الشيخ عبد العزيز يقرئ بالإطباق أول أمره – حسب ما تلقى من شيخه الضباع-، وكذلك الأسانيد المنتهية إلى الشيخ/ الزيات، والشيخ/ عامر السيد عثمان، والشيخ السمنودي، حيث تلقى هؤلاء كلهم بالإطباق وأقرؤوا به أول حياتهم، وإن أقرؤوا بالفرجة فيما بعد، اجتهادا منهم رحمهم الله.
¥