تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مشايخ الإقراء في القاهرة، فكان لا يقبل ممن يقرأ عليه أن يطبق شفتيه عند نطق الميم الساكنة قبل الباء، ويأبى إلا انفراجهما. وقد صرت أسأل قراء العراق الذين ألتقي بهم عن كيفية إخفاء الميم الساكنة قبل الباء، فكانوا يقرؤون بإطباق الشفتين للصوتين معاً، ولا يأخذون بانفراجهما مع الميم، وكان آخر مرة سألت عن ذلك في صيف سنة 1995 عند التقائي بالشيخ إبراهيم المشهداني، أحد مشايخ الإقراء في مدينة الموصل، فقال: نحن لا نعرف إلا إطباق الشفتين عند النطق بالميم المخفاة، وأن روايتهم للقراءة كانت هكذا عن شيوخهم.

ولم أجد في كتب علم التجويد القديمة من أشار لانفراج الشفتين عند النطق بإخفاء الميم الساكنة عند الباء، بل وجدت المؤلفين ينصون على انطباق الشفتين للصوتين معاًُ، فيقول الداني: " هي مخفاة لانطباق الشفتين عليهما، كانطباقهما على إحداهما ". وقال والد ابن الباذش: " إلا أن يريد القائلون بالإخفاء انطباق الشفتين على الحرفين انطباقا واحدا، فذلك ممكن في الباء وحدها في نحو أكرمْ بزيد ". ووجدت المصادر المتأخرة تشير إلى عدم المبالغة في إطباق الشفتين مع الميم قبل الباء، فقال الشيخ عبد الغني النابلسي وهو يتحدث عن النون الساكنة قبل الباء: " وأما الإقلاب فهو جعل النون الساكنة المتوسطة والمتطرفة والتنوين عند الباء الموحدة ميما خالصة، ثم إخفاؤها بغنة من غير تشديد، كما ذكرنا نحو (أَنْ بُورِكَ)، (ُ أَنْبِئْهُمْ)، (عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ). وليحترز القارئ عند التلفظ بالإقلاب من كزّ الشفتين على الميم المقلوبة في اللفظ، لئلا يتولد التشديد عند كزها ". وصرح المرعشي بذلك أيضا فقال: " وبالجملة إن الميم والباء يخرجان بانطباق الشفتين، والباء أدخل وأقوى انطباقا، كما سبق بيان المخارج فتلفظ بالميم في (أَنْ بُورِكَ) بغنة ظاهرة وبتقليل انطباقهما، وتجعل المنطبق من الشفتين في الباء أدخل من المنطبق في الميم ".

وقد أثبت بعض المؤلفين المعاصرين القول بانفراج الشفتين عند النطق بالميم المخفاة في رسالة له في التجويد، كما نقل ذلك الأستاذ محمد عبد القادر الخلف في رسالته للماجستير عن (قراءة عاصم)، وهذه قضية تستدعي النظر والتأمل، ومن المحتمل أنها تطورت عن تأكيد العلماء المتأخرين على تقليل انطباق الشفتين عند النطق بالميم المخفاة، فبالغ بعضهم في تقليل الانطباق حتى أدى ذلك إلى انفراجهما، وهذا أمر لا نملك القطع به، لأن كلا الفريقين يحتج بالرواية عن الشيوخ والمشافهة عنهم. والله أعلم.

الخاتمة

إن الإشكال الذي يثيره موضوع نطق الميم الساكنة قبل الباء يتلخص في أمرين:

الأول: هل حكم الميم في هذه الحالة هو الإظهار أو الإخفاء؟ وقد انقسم العلماء في ذلك إلى قسمين: منهم من قال إنه إظهار، ومنهم من قال إنه إخفاء. وقد حاول بعض العلماء المتقدمين التوفيق بين المذهبين بالقول إن حقيقة النطق واحدة وإنهم اختلفوا في التسمية فقط. وأنا أميل إلى ترجيح هذا القول، لأن طبيعة نطق الصوتين تؤكد ذلك.

الثاني:إن كتب التجويد تشير إلى انطباق الشفتين عند النطق بالميم الساكنة قبل الباء للصوتين معا، لكن أهل الأداء في عصرنا منقسمون على قسمين، فنمهم من ينطق على ما نحو ما وصف المتقدمون، ومنهم من يجافي بين شفتيه عند نطق الميم، وقد أثبت ذلك بعض المؤلفين المعاصرين، وكل منهم بتمسك بروايته معتقد بصحتها دون ما سواها.

ولا أملك في هذا البحث ردًّ أيٍّ من المذهبين، ولكني أُرجح الرواية التي تتطابق مع وصف علماء التجويد المتقدمين لنطق الميم المخفاة، وهي التي تؤكد على انطباق الشفتين عند النطق بالميم، لأن القول بانفراجهما لم تشر إليه المصادر القديمة، ولأنه لا يتوافق مع نظرية السهولة في نطق الأصوات التي تتحقق عند النطق بانطباق الشفتين أكثر مما تتحقق عند النطق بانفراجهما. وبعد فإن هذه القضية الصغيرة في الأداء القرآني تستدعي أن يتبادل حولها المعنيون بالأداء القرآني وعلم الأصوات العربي الرأي من أجل أن نحافظ علي النطق العربي صحيحاً موحداً. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

{الشيخ عامر السيد عثمان قال بإطباق}

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير