تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهذا الرأي هو الرأي الراجح، وهناك قول آخر بأن الغنة هي غنة المدغم فيه، ولا يخفى رجحان هذه القول لأن فيه ترجيحا لغنة على غنة أقوى منها، فكيف يغلب الأدنى على الأعلى، ويلزم من هذا القول: القول بذهاب جسم النون الساكنة وصفتها أيضا، فتخرج هذه الصورة من عموم تعريف الإدغام الناقص، لأنه أصبح كاملا، بزوال المدغم وصفته أيضا، وهذا هو حد الإدغام الكامل، ورغم كمال الإدغام المستلزم زوال أي غنة، بقيت غنة المدغم فيه، فصارت هذه الصورة جامعة لكلا نوعي الإدغام، فهي إدغام كامل، ومع ذلك بغنة، كما في الإدغام الناقص، والعمل بالقول الأول يرفع عنا حرج هذا التأويل الدقيق، والله أعلم.

وفي حالة الواو والياء: الغنة غنة المدغم، أي النون، بالإجماع، لأنه لا غنة للواو والياء أصلا، حتى يقال بترجيح غنة النون على غنتهما، أو العكس، والله أعلم.

ثم نبه الناظم، رحمه الله، إلى مسألة مهمة:

وهي مسألة وقوع النون الساكنة، وحرف الإدغام في كلمة واحدة، فقال:

إلا إذا كانا بكلمة فلا ******* تدغم كـ (دنيا)، ثم صنوان تلا

وقد وقع ذلك في القرآن الكريم في 4 كلمات:

دنيا، وصنوان، وقنوان، وبنيان.

فطبقا لقاعدة الإدغام المعروفة، يتم النطق بحرف الإدغام مشددا، فتنطق دنيا: ديا، وتنطق صنوان: صوان، وتنطق قنوان: قوان، وتنطق بنيان: بيان، وهذا نطق غير صحيح بطبيعة الحال، لالتباس هذا النطق بنطق المضعف، وهو ما تكرر أحد أصوله كـ: (حيان)، و (رمان).

لأن كلمة دنيا: لا تضعيف فيها، فحروفها دال ونون وياء وألف المد، بينما كلمة ديا (إذا ما أدغمنا النون في الياء طبقا لقاعدة الإدغام الأصلية)، فيها تضعيف، فحروفها: دال وياء مشددة، (وهي ياءان إحداهما ساكنة والأخرى متحركة)، وألف المد، فاختلفت بنية الكلمة، بل واختلف معناها، فالدنيا من الدنو، والديا من الدي، وكذا الحال في بقية الكلمات، فإن الإدغام فيها يغير بنية الكلمة ومعناها، والله أعلم.

ثم ذكر الناظم، رحمه الله، القسم الثاني من الإدغام، وهو الإدغام بغير غنة، فقال:

والثان: إدغام بغير غنه ******* في اللام والراء وكررنه

وفي بعض نسخ المتن:

والثان: إدغام بغير غنه ******* ورمزه "رل" فأتقننه

فحروفه حرفان: اللام والراء، ويجمعها قولك: رل، أي أسرع، يقال رل زيد في سيره، إذا أسرع، والله أعلم.

وهذا الإدغام، يختلف عن سابقه، بأنه لا غنة فيه، فلا يصدر من الخيشوم أي صوت أثناء نطقه، لأن إدغام النون الساكنة والتنوين في اللام والراء، إدغام كامل، يذهب فيه جسم الحرف المدغم، وصفته، وهي الغنة، خلاف النوع الأول، ففيه يذهب جسم الحرف المدغم، ولكن يبقى أثره الدال عليه، وهو الغنة التي تصدر من الخيشوم، ولذا كان ناقصا، ومن نطق بالإدغام في حالة اللام والراء، بلا تكلف، فإنه لا يجد حاجة لإخراج غنة من خيشومه.

إذ يتم الإدغام مباشرة بنطق لام مشددة، كما في:

قوله تعالى: (هدى للمتقين)، فنطقها مباشرة بلا تكلف إخراج غنة: هدللمتقين

وقوله تعالى: (ولكن لا يعلمون)، فنطقها: ولكلا يعلمون

أو نطق راء مشددة، كما في:

قوله تعالى: (من ربهم)، فنطقها: مربهم.

وقوله تعالى: (رؤوف رحيم)، فنطقها: رؤوفرحيم، والله أعلم.

يقول الشيخ الضباع رحمه الله:

وهذا على ما عليه جمهور أهل الأداء عن القراء العشرة

وروى بعضهم إدغامهما فيهما بغنة، كما في قراءة "نافع" و"أبي جعفر" و "ابن كثير" و "أبي عمرو" و "يعقوب" و"ابن عامر الشامي" و "حفص"، وعليه يكون ناقصا، لأن الغنة تمنع كمال تشديد الحرف المدغم فيه، كما سبقت الإشارة على ذلك، والله أعلم.

ووجه الإدغام في اللام والراء: قرب مخارج النون واللام والراء، فكلها من حروف طرف اللسان، فتكون من الحروف المتقاربة، التي تقاربت مخارجها، واختلفت صفاتها، فصفات النون غير صفات اللام غير صفات الراء، بل جزم الفراء، رحمه الله، باتحاد مخارجها، فكلها من نفس المخرج من طرف اللسان، فتكون من الحروف المتجانسة، وهي الحروف التي اتحدت مخارجها دون صفاتها، ويأتي بيان التماثل والتقارب والتجانس تفصيلا إن شاء الله.

وأيضا، والكلام للشيخ الضباع رحمه الله: لو لم يدغما فيهما لحصل الثقل لاجتماع المتقاربين (على رأي الجمهور)، أو المتجانسين (على رأي الفراء رحمه الله)، فبالإدغام تحصل الخفة، لأنه يصير في حكم حرف واحد.

ووجه حذف الغنة: المبالغة في التخفيف، لأن بقاءها يورث ثقلا ما، وسبب ذلك قلبهما حرفا ليس فيه غنة ولا شبيها بما فيه غنة.

فالنون الساكنة سوف تنطق عند إدغامها باللام والراء، لاما مشددة، أو راءا مشددة، وهذان حرفان لا غنة فيهما، بل ولا شبه لهما بما فيه غنة، فهما أبعد ما يكونان عنها، فعلام التكلف بالإتيان بغنة في غير موضعها؟، والله أعلم.

وأشار الناظم في ختام كلامه على الإدغام إلى حكم من أحكام (الراء)، بقوله: (ثم كررنه)، أي: احكم بأن حرف الراء من حروف التكرير، لكن يجب إخفاء تكريره.

والتكرير لغة: إعادة الشيء بصفته الأولى أكثر من مرة، ومنه الكر: أي العودة بعد الفر على نفس صفة الهجوم الأول.

واصطلاحا: ارتعاد رأس اللسان عند النطق بالحرف، وحرف التكرار: الراء، وهذا الارتعاد يؤدي لتكرار نطق الحرف، ولا شك أن هذا من اللحن المخل بالقراءة، فالناظم، رحمه الله، لم يذكر هذه الصفة، ليعمل بها، كما قد يوهم لفظ: كررنه، وصيغته صيغة الأمر الدالة على وجوب الفعل، وإنما ذكرها لتجتنب، لأنها مما يخل بالقراءة، فمتى ما أظهر القارئ تكرير الراء، فإن الراء المخففة، سوف تنطق راءين، والمشددة راءات متعددة، والله أعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير