إنّ الباحث توهم في جعل أبي جعفر النحاس قد تأثر بابن مجاهد في مجال (الوقف والابتداء)، بل وجعل كتاب (القطع والائتناف) هو من عمل ابن مجاهد أو حوله يدور، بسبب كثرة تردّد ذِكر ابن مجاهد في هذا الكتاب كما يرى، مما جعله يؤكد أن لابن مجاهد كتاباً في الوقف والابتداء وذلك في قوله: ((وحسبي وحسبكم أن تنظروا فهارس كتب القراءات، فسوف نجد رصيداً ضخماً منها هو فيما أرى من عمل ابن مجاهد أو حوله يدور. وإن كان ابن مجاهد يلحّ في صدر كتابه السبعة (ص 45 وما بعدها) وكتابه في الوقف والابتداء (القطع والائتناف ص 94) بضرورة علم النحو، ووجوه الإعراب، ومعرفة اللغات لعالِم القراءات، إذ كان ذلك)) (37).
إنّ المتصفح لكتاب القطع والائتناف لأبي جعفر النحاس يجد موضعين اثنين لا غير ورد فيهما ذِكر أبي بكر بن مجاهد، أما المواضع الأخرى فهي لأحمد بن موسى، الذي هو أحمد بن موسى اللؤلؤي (38)، وليس أحمد بن موسى بن مجاهد كما ذكر الباحث، والموضعان اللذان ذُكر فيهما أبو بكر بن مجاهد هما:
1ــ قال النحاس: ((حكى لي بعض أصحابنا عن أبي بكر بن مجاهد ــ رضي الله عنه: أنه كان يقول: لا يقوم بالتمام إلاّ نحوي عالم بالقراءة، عالم بالتفسير، عالم بالقصص، وتلخيص بعضها من بعض، عالم باللغة التي نزل بها القرآن)) (39).
2ــ قال النحاس: ((وقد كان أبو بكر بن مجاهد يستحب أن يقف عند قوله: ? إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ? [النمل10]، ثم يبتدئ ? إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ ? [النمل 10])) (40).
ويؤيد قولنا: إن (أحمد بن موسى) هو اللؤلؤي ما جاء في كتاب القطع والائتناف نفسه وهو قول النحاس: (( ... حدثنا أحمد بن موسى، عن عيسى بن عمر (41): ? وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِي? [البقرة 40]، ? وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِي ? [البقرة 41]، ? وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي ? [الشعراء 39]، ? إِلاَّ لِيَعْبُدُونِي ? [الذاريات 56] إذا وقفت فيها كلّها بغير ياء، وإذا وصلت كانت بالياء)) (42).
يضاف إلى ذلك أن هذه الآراء لو كانت لابن مجاهد لكان له كتاب في الوقف والابتداء، وهو ما ذهب إليه الباحث، وهذا ما لم يذكره أحد من المتقدمين أو المتأخرين، فضلاً عن عدم وجود آراء له في الوقف والابتداء مشهورة في المصادر.
ويؤيد ذلك ما صرّح به ابن مجاهد نفسه، كما أورده ابن الجزري بقوله: ((قال الداني: سمعت بعض أصحابنا يقول عن شيخ له: إنّ ابن الأنباري (43) لمّا صنف كتابه في الوقف والابتداء جيء به إلى ابن مجاهد، فنظر فيه، وقال: لقد كان في نفسي أن أعمل في هذا المعنى كتاباً، وما ترك هذا الشاب لمصنف ما يصنف)) (44).
إنّ الذي أوقع الباحث في الوهم هو فهرس الأعلام في كتاب القطع والائتناف الذي صنعه محققه الدكتور أحمد خطاب العمر، الذي عدّ كلّ موضع فيه ذكر لأحمد بن موسى هو لابن مجاهد، مما جعل الباحث ــ قبل أن يدقق في الأمر ــ يذهب ما ذهب إليه.
وختاماً أسأل الله تعالى أن يسدّد خطانا جميعاً لخدمة كتابه العزيز، كما خدمه أسلافنا من قبل، إنه سميع مجيب الدعوات.
الدكتور خلف حسين صالح الجبوري
كلية التربية / جامعة تكريت / العراق
[email protected]
الهوامش
ــــــــــــــــ
(1) لمزيد من المعلومات عن أخبار المؤلف يراجع بحثنا (ابن مجاهد البغدادي وجهوده في اللغة والقراءات) رسالة ماجستير ــ كلية التربية للبنات/ جامعة تكريت 1997 م.
(2) أحمد بن يحيى بن يزيد بن سيار الشيباني، أبو العباس ثعلب، إمام الكوفيين في النحو واللغة، له كتاب في القراءات وكتاب الفصيح، ينظر: نزهة الألباء في طبقات الأدباء لأبي البركات الأنباري 173، غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري 1/ 148.
(3) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 5/ 145، وينظر: معجم الأدباء لياقوت الحموي 5/ 68.
(4) الحسين بن أحمد بن خالويه بن حمدون، أبو عبدالله النحوي اللغوي، أخذ القراءات عرضاً عن ابن مجاهد، له كتاب البديع، ينظر: نزهة الألباء 230، غاية النهاية 1/ 237.
(5) اتجاهات التأليف في القراءات القرآنية مع تحقيق كتاب البديع لابن خالويه، تحقيق جايد زيدان مخلف ـ رسالة دكتوراه، كلية الآداب / جامعة بغداد 1986 م ص 413.
¥