تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فما ضرّ علماء التجويد والأصوات العربية أن يعدوا القاف والطاء مجهورين وأن تكتشف الدراسات الحديثة أنهما مهموسان، حين اتضح وبان مفهوم الجهر والهمس على نحوٍ لم يكن بمقدور الإنسان إتقانه وحذقُه من قبل.

لكني وجدتكم تقولون قولاً أقضَّ مضجعي أن يصدُر عن عالمٍ بمثل مكانتكم، ولم تمرّ عليّ إلا (ليلة نابغية) منذ اطلعت على قولكم هذا في ملتقى أهل التفسير.

ذلكم رأيكم في قضية (نُطق الضاد) العربية.

حيث تردون قول سيبويه وكأنكم تقيسون "خطأ" القدماء في مسألة الجهر والهمس على مسألة (الشدة والرخاوة)، فتميلون مشايعة لمن حوّلت العُجمة أصواتهم من جمهور الشاميين والمصريين إلى أن الصواب في نطق الضاد هو (الشدةُ) لا (الرخاوة). فتريدونها أن تكون دالاً مفخمةً كما ينطقها جمهور القراء اليوم.

وكان حريًّا بكم أن تدعوهم إلى تصحيح نطقهم والعودة إلى ما أجمع عليه علماء العربية والقراءات من (رخاوة) الضاد واستمرار النفس معها دون انقطاع بدلاً من أن تدعوا إلى نبذ الإجماع وترجيح صحة (شدتها).

لكأنكم أيها الشيخ الجليل تقررون الحكمة الساخرة المتهكمة (خطأ شائع خيرٌ من صحيحٍ ضائع!!!)، وما بمثل هذا ندين الله تعالى بل بضدّه.

وها أنا ذا أنسخ للإخوة القراء قولكم أستعديهم وأستنصرهم لما أعتقد جازماً أنه الحقّ على رأيكم الذي بان بطلانه، والذي أدعوكم أن تضربوا عنه صفحاً وتثنوا عنه عِطفاً، فما يليقُ بمثلكم ارتكابه:

قال الدكتور غانم في قضية الضاد:لكن إفراد الضاد بمخرج مستقل لم يعد يتوافق مع النطق المعاصر للصوت ومن ثم فإن القول إن عدد المخارج ستة عشر مخرجاً أو سبعة عشر لم يعد مقبولاً.

وتتلخص قضية صوت الضاد في أن تحديد سيبويه لمخرجه لم يعد يتطابق مع نطقه المعاصر، كما أشرت، فسيبويه يقول في مخرجه: " من بين أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس مخرج الضاد " ([الكتاب4/ 433]). ونقل علماء العربية وعلماء التجويد هذا التحديد لمخرج الضاد عن سيبويه، وفعل ذلك المحدثون من المؤلفين في علم التجويد أيضاً. وعدَّ سيبويه الضاد من الأصوات الرخوة بالإضافة إلى كونها صوتاً مجهوراًً، مُطْبَقاً، مستطيلاً. ([الكتاب4/ 434 - 435]).

والضاد بهذه الصفات لم يعد لها وجود في النطق العربي الفصيح في زماننا، لا في قراءة القرآن، ولا في غيرها، كما يقول علماء الأصوات المحدثون، وقد تحولت إلى دال مطبقة في نطق كثير من العرب، كما في بلاد الشام ومصر، وهو المأخوذ به في قراءة القرآن أيضاً. وصارت على ألسنة آخرين من العرب صوتاً لا يختلف عن الظاء، كما في العراق وبلدان الخليج العربي ([ينظر: إبراهيم أنيس: الأصوات اللغوية ص 48، ويوسف الخليفة أبو بكر: أصوات القرآن ص 69، وحسام سعيد محمود النعيمي: أصوات العربية ص 50]).

ولم يخرج ما جاء في (فن الترتيل وعلومه) و (المنير في أحكام التجويد) في تحديد مخرج الضاد عن تحديد القدماء لمخرجه ([ينظر: فن الترتيل 2/ 564، والمنير ص 107]).

وإذا أخذنا نطق مجيدي قراءة القرآن في زماننا لصوت الضاد بنظر الاعتبار فإن ذلك يستدعي إعادة النظر في طريقة تحديد مخرجه، وأنّ تمسك مؤلفي كتب علم التجويد المعاصرين بعبارة سيبويه في تحديد مخرج الضاد لم يعد مناسباً، وأن عليهم أن يفكروا في وصف جديد لمخرج هذا الصوت يتطابق مع نطقه الفعلي على ألسنة مجيدي القراءة.

والوصف المناسب للضاد اليوم هو: أنه صوت لِثَوِيٌّ، شديدٌ، مجهورٌ، مُطْبَقٌ. فلم يعد مخرجه من الحافة، كما حدده سيبويه، وتحول من الرخاوة إلى الشدة، كما أنه فقد صفة الاستطالة، هذا هو الراجح في مسألة الضاد، وقد يكون لبعض الدارسين وجهة نظر مغايرة، لكن الدليل هو الذي يرجح الأقوال، أو يردها ([49ينظر: مناقشة الموضوع: أبحاث في علم التجويد ص 88 - 92، وتفصيل قضية الضاد في المصدر نفسه ص 146 - 166]).اهـ كلامه.

وأنا- العبد لله- قد أخذ مني البحث في صوت (الضاد) خمسة وعشرين عاماً، ولم يكن من يُقرئوننا في المساجد مما يضبطونه أو يعبأون كثيراً في الخلاف فيه، وما نلومهم على ذلك،. وقد رأيت كثيراً ممن لديهم إجازات في القراءات السبع والعشر لا يضبطون نُطقه، ولا يميزون بين جهرٍ وهمس أو شدّةٍ أو او رخاوة بل يُقلدون كا عُلِّموا، ولا نلومهم بعدُ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير