تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لكني قد وجدت كثيرين يضبطونها أيضاً ويوافقون في نُطقهم أوصاف علماء النحو والقراءات ومنهم عراقيون موصليون، وسنغاليون، وصوماليون، وهذا الملتقى المبارك قد بين لنا أن شيخاً أفغانيًّا جليلاً يضبطها كما ينبغي وهو يُقرئ في الحرم النبوي.

والذي استقرّ عليه استقرائي أن العراقيين وعرب الخليج والجزيرة لا يميزون بين الضاد والظاء فهم يرتكبون مع الضاد خطأً في المخرج، على حين أن الشاميين والمصريين يجعلون الضاد دالاً مُفخمة فهم يرتكبون خطأً في الصفة.

وقد عرفت سبب شيوع طريقة المصريين والشاميين التي أيدها الدكتور غانم، ذلك أن بعض كتب الفقه تُشدد على وجوب (التفريق) بين الضاد والظاء. فانخدع الناس بالتفريق ظنا منهم أن التفريق مطلوب لنفسه. والصواب أن التفريق المطلوب هو التفريق الموافق للصواب، وليس مجرد التفريق، والذي يجعل الضاد شديدة كالدال المفخمة ويقطع معها النفس قد أخلّ بصفة أجمع اهل العلم والاختصاص على وجودها وهي الرخاوة.

وهكذا لا يكون الشاميون والمصريون أصحّ من العراقيين وعرب الخليج والجزيرة مطلقاً وإن كان هؤلاء مطالبين بضبط المخرج أيضاً ليحصل التفريق الطفيف.

وإلى ذلك أشار الشاعر الكبير معروف الرصافي في الردّ على الشاميين:

قلْ للألى نطقوا بالضادِ مُدّغماً = لم يدغم الضاد آباءٌ لكم فرطوا

قل لليعاريب قد هانت مكارمكم = حتى ادعاها أناسٌ كلهم نبطُ

أين المكارمُ إن هم أصبحوا عرباً = فإنها في طباع العربِ تُشترطُ

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عاتبني بعض أصدقائي الكرام من أهل الشام على إيراد الأبيات ولا سيّما الأخير لما فيه من مَظنة الجهوية!

وحين ذكرتُ له قِصتها سُرّ بذلك وأيَّد الشاعر، لكنه قد حفزني عى ضرورة ذكر القصة للإخوة القراء.

وفي الواقع أني لم أكن أريد إدراج البيت الأخير لأنه خارج فكرة الموضوع على الأقل لكن كان المقال

من أوائل ما كتبته في المنتدى قبل أزيد من أربع سنين ولم أنتبه إلى أن الوقت المسموح بالتعديل فيه هو

ساعة واحدة.

ما علينا ونذهب إلى قصة أبيات الرصافي شاعر العراق الكبير والعالم باللغة وتلميذ الآلوسي.

عندما انعقد مؤتمر القوميين العرب الأول عام 1913 في باريس وكان جميع المشاركين فيه من

نصارى بلاد الشام لأن التعليم كان لديهم أفضل من سواه في بلدان الشرق. اندهش لرصافي الذي

كان قد تأثر بالحركات القومية اللادينية التي وصل صداها من أوربا، فقال مندهشا من صنيع نصارى

بلاد الشام

أصبحتٌ أوسعهم لوما وتثريبا * منذ امتطوا غارب الإفراط مركوبا

ما ضرّهم لو نحو في الأمر جامعةً * ننفي الكنائس عنها والمحاريبا

لكنهم أمة تأبى مشاربها * إلا التعصب للأديان مشروبا

من مبلغ القوم أن المصلحين لهم * أضحوا كمن لبس الجلباب مقلوبا

كانوا أحق البرايا مطلبا فغدوا * من أبطل الناس في الدنيا مطاليبا

إني لأبصر في لبنان قائبة [بيضةً] * للشر موشكة أن تُخرج القوبا

وحين نشرها كاملة لقي من هؤلاء النصارى عنتا فرد عليهم بقصيدة طائية

عنفهم فيها ومن ضمن ما جاء فيها

قل للألى نطقوا بالضادِ مدّغما [أي شديدا] * لم يُدغم الضاد آباءٌ لكم فرطوا

يستنثرون صغارا من معاطسهم * ولا يبالون إن قالوا وإن ****

الخلقُ كالخطّ لا تقرأ لئامهم * واشطب عليهم بنعلٍ إنهم غلطُ

قل لليعاريب قد هانت مكارمكم * حتى ادعاها أناسٌ كلهم نبطُ

أين المكارم إن هم أصبحوا عرباً * فإنها في طباع العرب تُشترطُ

وقال في قصيدة أخرى أيضا في نصارى بلاد الشام

همُ أسمعونا نعرةً عربيةً * فدوّى صداها في المسامع مضطرا

فكم من خطيب قام فيها مثرثرا * فطرى لنا من يابس القول ما طرى

وكنا أجبناهم إليها إجابةً * بها قد تركنا جانب الدين مزورّا

فأصبح فينا شامتاً كلُّ من غدا * لأبناء قنطوراء يغضب ممقرّا

فالأبيات ليس فيها غضٌّ من إخوتنا الشاميين ولا سيما بعد اتضاح قصتها وسياقها.

ولكن يظل الشاميون والمصريون على رأس من أفقد الضاد رخاوتها.

وحين قال الدكتور غانم وفقه الله < (4) لا أجد ما يؤيد قولكم: إن سبب شيوع طريقة المصريين والشاميين

في نطق الضاد ما ورد في بعض كتب الفقه من تشديد على وجوب التفريق بين الضاد والظاء،

فيبدو لي أن ذلك النطق عميق الجذور في مصر الشام، ويجري على ألسنة العامة هناك من دون كلفة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير