تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال: فالحق أن كلا منهما في علم الحديث مهم، ولا شك أن من جمعهما حاز القدح المعلى مع قصور فيه إن أخل بالثالث، ومن أخل بهما فلاحظ له في اسم الحفاظ، ومن أحرز الأول وأخل بالثاني كان بعيداً من اسم المحدث عرفاً، ومن يحرز الثاني وأخل بالأول لم يبعد عنه اسم المحدث، ولكن فيه نقص بالنسبة إلى الأول، وبقي الكلام في الفن الثالث، ولا شك أن من جمع ذلك من الأولين كان أوفر سهماً وأحظ قسماً، ومن اقتصر عليه كان أخس حظاً وأبعد حفظاً، ومن جمع الثلاث كان فقيهاً محدثاً كاملاً، ومن انفرد باثنين منهما كان دونه،، إلا أن من اقتصر على الثاني والثالث فهو محدث صرف، لاحظ له في اسم الفقيه، كما أن من انفرد بالأول فلاحظ له في اسم المحدث، ومن انفرد بالأول والثاني فهل يسمى محدثاً؟ فيه بحث. اهـ.

وفي غضون كلامه ما يشعر باستواء المحدث والحافظ، حيث قال: فلا حظ له في اسم الحافظ والكلام كله في المحدث، وقد كان السلف يطلقون المحدث والحافظ بمعنى، كما روى أبو سعد السمعاني بسنده إلى أبي زرعة الرازي: سمعت أبا بكر بن أبي شيبة يقول: من لم يكتب عشرين ألف حديث إملاء لم يعد صاحب حديث.

وفي «الكامل» لابن عدي من جهة النفيلي، قال: سمعت هشيماً يقول: من لم يحفظ الحديث فليس هو من أصحاب الحديث.

والحق أن الحافظ أخص، وقال التاج السبكي في كتابه «معيد النعم»: من الناس فرقة ادعت الحديث فكان قصارى أمرها النظر في «مشارق الأنوار» للصاغاني. فإن ترفعت إلى «مصابيح البغوي»، وظنت أنها بهذا القدر تصل إلى درجة المحدثين، وما ذلك إلا بجهلها بالحديث، فلو حفظ من ذكرناه هذين الكتابين عن ظهر قلب وضم إليهما، من المتون مثليهما لم يكن محدثاً، ولا يصير بذلك محدثاً حتى يلج الجمل في سم الخياط، فإن رامت بلوغ الغاية في الحديث على زعمها اشتغلت بـ «جامع الأصول» لابن الأثير، فإن ضمت إليه «علوم الحديث» لابن الصلاح أو مختصره المسمى «بالتقريب والتيسير للنووي» ونحو ذلك، وحينئذ ينادى من انتهى إلى هذا المقام: محدث المحدثين وبخاري العصر، وما ناسب هذه الألفاظ الكاذبة، فإن من ذكرناه لا يعد محدثاً بهذا القدر، وإنما المحدث من عرف الأسانيد والعلل، وأسماء الرجال والعالي والنازل، وحفظ مع ذلك جملة مستكثرة من المتون، وسمع الكتب الستة، و «مسند» أحمد بن حنبل، و «سنن البيهقي»، و «معجم الطبراني»، وضم إلى هذا القدر ألف جزء من الأجزاء الحديثية. هذا أقل درجاته، فإذا سمع ما ذكرناه وكتب الطباق ودار على الشيوخ وتكلم في العلل والوفيات والمسانيد كان في أول درجات المحدثين، ثم يزيد اللّه من يشاء ما يشاء.

وقال في موضع آخر منه: ومن أهل العلم طائفة طلبت الحديث وجعلت دأبها السماع على المشايخ ومعرفة العالي من المسموع والنازل. وهؤلاء هم المحدثون على الحقيقة، إلا أن كثيراً منهم يجهد نفسه في تهجي الأسماء والمتون وكثرة السماع من غير فهم لما يقرءونه، ولا تتعلق فكرته بأكثر من أني حصلت «جزء ابن عرفة» عن سبعين شيخاً، و «جزء الأنصاري» عن كذا كذا شيخاً، و «جزء البطاقة»، و «نسخة أبي مسهر»، وأنحاء ذلك، وإنما كان السلف يستمعون فيقرءون فيرحلون فيفسرون، ويحفظون فيعملون، ورأيت من كلام شيخنا الذهبي في وصية لبعض المحدِّثين في هذه الطائفة: ما حظ واحد من هؤلاء إلا أن يسمع ليروي فقط، فليعاقبن بنقيض قصده وليشهرنه اللّه بعد ستره مرات، وليبقين مضغة في الألسن، وعبرة بين المحدثين ثم ليطبعن اللّه على قلبه؛ ثم قال: فهل يكون طالب من طلاب السنة يتهاون بالصلوات أو يتعانى تلك العادات؟. وأنحس منه محدث يكذب في حديثه ويختلق الفشار، فإن ترقت همته المفتنة إلى الكذب في النقل والتزوير في الطباق فقد استراح، وإن تعانى سرقة الأجزاء وكشط الأوقاف فهذا لص بسمت محدث، فإن كمّل نفسه بتلوّط أو قيادة، فقد تمت له الإِفادة، وإن استعمل في العلوم فقد ازداد مهانة وخبطاً، إلى أن قال: فهل في مثل هذا الضرب خير؟ لا أكثر اللّه منهم. اهـ.

ولبعضهم:

إن الذي يروي ولكنه يجهل ما يروي وما يكتب

كصخرة تنبع أمواهُها تسقي الأراضي وهي لا تشرب

وقال بعض الظرفاء في الواحد من هذه الطائفة:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير