والتعريف الثاني: يعني هو مشابه لهذا، قالوا: "هو سلسلة رجال الإسناد الموصلة إلى المتن". فسلسلة الرجال هؤلاء يقال لها: الإسناد.
وبهذا التعريف الثاني يكون تعريف الإسناد والسند بمعنى واحد، فالسند: هو سلسلة الرجال الموصلة إلى المتن.
ونحتاج -أيضا- إلى تعريف المتن، يعني حتى يكون الجميع على دراية بهذه المصطلحات، فالمتن ما هو؟ قالوا: "المتن: هو ما ينتهي إليه السند من الكلام".
فالحديث الذي ذكرته قبل قليل: البخاري، عن علي بن المديني، عن سفيان بن عيينة، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن علقمة، عن عمر بن الخطاب، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، الآن انتهى السند، انتهى إلى أي شيء؟ إلى كلام، هذا الكلام هو المتن، فالمتن هو ما ينتهي إليه السند من الكلام.
أي نعم، يعني ما دام أن الحديث ذُكِرَ بالإسناد على ما في الإسناد من العلل، سواء كان الإسناد مرسلا، أو معلقا، أو مدلسا، أو مرسلا إرسالا خفيا، أو معضلا، إلى غير ذلك من علل الإسناد التي سيأتي الحديث عنها -إن شاء الله- فيما بعد، هذه لا تقدح في تعريف الإسناد، ولكنها تقدح في صحة الحديث كما سيأتي -إن شاء الله-.
بعد ذلك -أيضا- ذكرنا تعريف الخبر الذي ليس لطرقه حصر، وقلنا: إن الذي ليس لطرقه حصر ما هو؟ المتواتر، فما هو تعريف الخبر المتواتر؟
نعم. .
أحسنت، بارك الله فيك، هو ما رواه جمع كثير عن جمع بحيث تحيل العادة تواطؤهم على الكذب، وإسناده إلى شيء محسوس، وأيضا ذكروا أنه يفيد العلم، والعلم على ما سيأتي -إن شاء الله- الكلام فيه، هل هو يفيد العلم الضروري أو يفيد العلم النظري.؟
فمن هذا التعريف نأخذ للمتواتر كم شرط؟ خمسة شروط:
الشرط الأول: الجمع الكثير.
الشرط الثاني: أن يكون هذا الجمع في كل طبقة من طبقات الإسناد.
الشرط الثالث: أن تُحيل العادة تواطؤهم على الكذب.
والشرط الرابع: أن يسوده إلى شيء محسوس.
والشرط الخامس: إفادته للعلم.
وذكرنا بعض هذه الشروط، وبعضها يحتاج إلى استدراك بعض الشيء الذي لم يذكره في الليلة البارحة.
فأول شرط وهو مسألة العدد، ما رواه جمع، هذا الجمع هل له حصر بعدد معين، أو ليس له حصر؟
هذه مسألة -كما أشار إليها الحافظ ابن حجر في شرحه للنخبة- أنهم اختلفوا فيها؛ فمنهم من شرط عدد الأربعة، ومنهم من قال: خمسة، ومنهم من قال: عشرة، ومنهم من قال: اثنا عشر، ومنهم من قال: عشرون، ومنهم من قال: أربعون، ومنهم من قال: سبعون.
وكل منهم يحاول أن يتلمس لنفسه دليلا يستدل به، فمثلا الذين قالوا: العدد اثنا عشر، قالوا: إن الله -جل وعلا- ذكر أن الأسباط الذين اختارهم موسى عددهم اثنا عشر وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا
وأما الذين ذكروا عدد الأربعين، فاستدلوا بأن العدد الأربعين هم الذين لا تقوم الجمعة إلا بهم، طبعا على الرأي الذي يرى هذا الرأي.
الذين قالوا بعدد السبعين ذكروا الآية التي ذكرتها قبل قليل: وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا
ومنهم من زاد عن ذلك، وقال: لا بد أن يكون عددهم أكثر من ثلاثمائة رجل، واستدلوا بعدد أهل بدر.
المهم أنه -يعني- من خلال هذه الاستدلالات يظهر لنا ضعف اشتراط العدد، وهناك -يعني- من اختار القول بعشرة كالسيوطي في "تدريب الراوي" ومنهم من رجح عدم اشتراط العدد كالحافظ ابن حجر هاهنا، وقال: الصواب أنه لا يُشترط عدد معين.
فقد يأتيني حديث يرويه عشرون رجلا، وحديث آخر يرويه خمسة من الرجال، لكن الحديث الذي رواه خمسة يفيدني علما أكثر مما يفيدني الحديث الذي رواه عشرون.
وهذا يختلف باختلاف الأشخاص الناقلين للحديث، فلو أن حديثا جاءني من خمسة طرق، وهذه الطرق كلها من أصح الأسانيد، فبلا شك أنه يفيدني علما أكثر مما لو جاءني حديث آخر من عشرين طريقا كل واحدة من هذه الطرق فيها ضعف، بلا شك أن ذاك يفيدني علما أكثر مما أفادني هذا الذي أكثر عددا، لكنه يختلف من حيث نوعية رجال الإسناد.
¥