يعني تتفاوت رتب الحديث الصحيح بتفاوت هذه الأوصاف يعني اتصال السند والعدالة وتمام الضبط وعد؛ م الشذوذ وعدم العلة، وبخاصة مسألة الضبط هي أكثر ما تجعل التفاوت في الحديث يكون موجودًا تتفاوت رتب الحديث الصحيح بمعنى أن هناك حديثا صحيحا من أعلى الدرجات، وهناك حديث صحيح من أوسط الدرجات، وهناك حديث صحيح من أنزل الدرجات، وكل هذا مثَّل له الحافظ بالأمثلة الآتية:
أما الحديث الصحيح الذي هو من أعلى الدرجات فقال: هذا ما يسمى - أو ما يطلقون عليه- بأصح الأسانيد. فالعلماء وجدوا أن هناك أسانيد تروى بها كثير من الأحاديث فأعجبوا بهذه الأسانيد ونظافتها وجودتها، فاختلفت عباراتهم كل بحسب إعجابه بإسناد من الأسانيد، بل تجد الإمام الواحد يعجب بعدة أسانيد فتجده مرة يقول: هذا الإسناد أصح الأسانيد، ومرة يقول: هذا الإسناد أصح الأسانيد، ومرة يقول: هذا الإسناد أصح الأسانيد فضلًا عن أن يكون هذا الاختلاف بين عدة من العلماء.
يعني ما دام أن العالم الواحد قد يختلف قوله، فمن باب أولى أن تختلف أقوال العلماء فبعضهم يعني قال: أصح الأسانيد -وهذا قول البخاري- السلسلة الذهبية ما يرويه مالك عن نافع عن ابن عمر. وبعضهم قال: لا. بل أصح الأسانيد ما يرويه ابن شهاب الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عبد الله بن عمر وأحيانًا يكون عبد الله بن عمر يرويه أيضًا عن أبيه عمر، وكلاهما صحابيان كما هو معروف. فبعضهم قال: هذا أصح الأسانيد.
بعضهم قال: لا. بل أنا أرى أن أصح الأسانيد ما يرويه محمد بن سيرين التابعي الجليل عن التابعي الذي كاد أن يكون صحابيًا وهو عبيدة السلماني -رحمه الله-؛ لأنه أسلم في وقت النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بسنتين ولكنه يعني حينما قدم من المدينة كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد توفي، فأخذ عن أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- فما يرويه محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بعضهم قال: هذا أصح الأسانيد.
بعضهم قال: لا. بل أصح الأسانيد عندي ما يرويه إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس عن عبد الله بن مسعود، وبعضهم قال غير ذلك. يعني أقوال كثيرة جدًا.
لكن هذه الأقوال كلها للعلماء منها موقف قالوا: كل هذه الأسانيد -تعتبر من أصح الأسانيد لكن كوننا نفاضل بينهما أو نقول: إن هذا الإسناد هو أصح الأسانيد على الإطلاق، هذا لا ينبغي إذن ماذا نفعل؟ أو ما هو الموقف الذي نقفه من أقوال هؤلاء العلماء؟
قالوا: نقيد. إما بالصحابي أو بالبلد فمثلًا يمكن أن أقول: إن أصح الأسانيد عن عبد الله بن مسعود ما يرويه إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس عن ابن مسعود يمكن أن أقول: أصح الأسانيد عن أبي هريرة ما يرويه محمد بن سيرين مثلًا عن أبي هريرة.
يمكن أن أقول في أصح الأسانيد عن أبي بكر الصديق ما يرويه إسماعيل بن أبي طالب عن قيس بن أبي حازم عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-.
فيمكن أن أقيد بالصحابي الذي روى ذلك الحديث، فأقول أصح الأسانيد إلى فلان هو الإسناد الفلاني.
هنا يواجهنا مشكلة أخرى. أن بعض الصحابة يرد عنه أكثر من إسناد كلها من أصح الأسانيد. مثل عبد الله بن عمر منهم من قال: أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر، ومنهم من قال: لا، بل الزهري عن سالم عن أبيه، ومنهم من قال غير ذلك فهنا نقول: لا نفاضل. بل كلها تعتبر من أصح الأسانيد.
منهم من قال يمكن أن نقيد بالجهة فمثلًا يمكن أن أقول: أصح أسانيد المكيين ما يرويه سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- ويمكن أن أقول: أصح أسانيد الكوفيين مثلًا ما يرويه إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس عن ابن مسعود، وهكذا في أمثلة عدة لكل بلد يمكن أن يكون هناك إسناد يعتبر من أصح الأسانيد.
فهذا هو الموقف الصحيح الذي ينبغي أن يوقف مما يقال فيه: أصح الأسانيد، المهم أن كل الأسانيد التي قيل فيها: إنها أصح الأسانيد تعتبر في الدرجة العليا من الصحيح.
دونها مرتبة أخرى، وهي التي مثَّل لها الحافظ ابن حجر برواية حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- أو برواية بريد بن عبد الله بن أبي بردة عن جده الذي هو أبو بردة عن أبيه الذي هو أبو موسى الأشعري.
¥