أقول: عدم ذكرهم وسؤالهم كلامه في الجرح والتعديل لا يقدح في العجلي، فقد كان المتفقهة يسألون مثل مالك والشافعي وأحمد، وتركوا السؤال في الفقه عن أمثال الأوزاعي والثوري وغيرهما إلا بقلة، مع أنهم فقهاء أئمة في الفقه، فاكتفوا بالأعلم عن العالم. ثم العجلي قد خرج إلى المغرب، فلم يكن ينشر علمه بالمشرق كما قلنا سابقا. ثم كلامك فيه قدح لعلم العجلي أكثر من أن يكون المدح فيه، وقد خالفت الذهبي وابن حجر وغيرهما من الأئمة في الثناء عليه، وكان أولى لك أن تعدل عن مثل هذا التعبير.
وقولك: فأين كان العجلي عن تلك المجالس التي يجتمع فيها الكبار أمثال أحمد والشاذكوني وابن المديني وابن معين وغيرهم من كبار الحفاظ فيتذاكرون الحديث ويتناقشون في علل الحديث؟ وكثير من هذه المجالس نقلها الخطيب والحاكم وأصحاب السؤالات وغيرهم، فلم نجد في أحد منها ذكراً للعجلي!
أقول: ففي هذا الكلام ما فيه من الجرح والتنقيص، ولا يليق بطالب العلم وباحثه مثل هذا الكلام، فأنت هنا تخالف الأئمة جميعا، فأستغفر الله العظيم لي ولك، فلو قرأت كلامه في الثقات لتبين لك علمه، ولعله أورع بكثير ممن في هذا الزمان، حيث تكلم في إنسان بلا حاجة، وهذه الطريقة مجانبة للصواب والحق.
وقد اعتمد على كلامه غير واحد من العلماء، منهم ابن القطان، فقد جهّل عبد الحق كثير بن أبي كثير البصري، فتعقب ذلك عليه ابن القطان بتوثيق العجلي، ولم يوثقه إلا العجلي، وقد ذكره ابن حبان في الثقات، ووثّقه ابن حجر في تقريبه. وابن حجر اعتمد في غير راو على توثيق العجلي، منهم ربيعة بن ناجد الأزدي. وإن كان هذا مما عاب عليه الشيخ الألباني، ولكنه يدل دلالة واضحة على اعتماد ابن حجر توثيق العجلي إذا تبين له رحجانه. وإني لأستغرب من فعل ونداء بعض العلماء المعاصرين بإعادة النظر في مراتب التقريب، بحجة أن فيها بعض المؤاخذات، فلو كان الأمر كذلك لاستدعى إعادة النظر في جميع الكتب والمؤلفات، فإنها لا تخلو من بعض المؤاخذات. بل الأولى أن نقول: أصاب ابن حجر في كذا، وأخطأ في كذا، مع بيان الدليل الذي هو مبنى الترجيح. وكثير منا في هذه الأيام يحاولون تنزيل كلام ابن حجر على مراده، ولا يحاولون فهم مراد ابن حجر كما يريده، فهذا خطأ واضح.
وقولك: وهل نتابعهم على خطأئهم أم نبقى مع الجمهور؟ طالما أنهم يوثقون من هو مجهول عند الجمهور، فهذا يعني ضرورة أنهم متساهلون. وما أدري لماذا نحاول التهرب من هذه الكلمة كأنها سبة.
أقول: أخي الفاضل، البلاء في هذا الزمان التعصب للمشايخ وقبول كلامهم كأنه هو الحق الذي لا يقبله البطلان، وهذا خلاف ما قرره الإمام الشافعي، فقد قال رحمه الله: رأيي هو الصواب، ويحتمل الخطأ، ورأي غيري هو الخطأ، ويحتمل الصواب. فهذا عين الإنصاف. لا كما قال بعض المتأخرين: رأيي هو الحق، ورأي غيري هو الباطل. فإن الحق لا يحتمل البطلان.
نعم، لا بأس بأن نصف العجلي بالتساهل، ولكن لا نترك القاعدة بدون بيان للمبتدئين في هذا العلم، فأخذوا يردون جميع أقوال العجلي في التوثيق، وإن كان له اعتبار ورجحان. بل الصواب أن نقول: العجلي معروف بالتساهل في توثيق المجهولين، فإذا وثّق رجلا تبينت جهالته، فإن توثيقه غير مقبول. فإذا وثّق راويا، وتبين لنا معرفته بحاله، فإن لتوثيقه اعتبارا، لا نرده مطلقا.
أما إذا وافقه غيره من الأئمة فهو مقبول.
وقولك: أنت توصلت في المثالين إلى أن العجلي قد أخطأ في التوثيق، وهو الذي أقوله، والحمد لله رب العالمين.
أقول: ليس بالضروري أن نصل إلى نتيجة واحدة أن يكون منهجنا واحدا، فمنهجي في كلام العلماء في الجرح والتعديل النظر فيه والأخذ بما ترجح لي، بغض النظر عن كون أحدهم متساهلا أو معتدلا أو متشددا، لأن وصف إمام من الأئمة بواحد من هذه الأوصاف عندي عام، بالنظر إلى كلامه، فقد يكون المتساهل يتشدد، أويعتدل، وقد يكون المعتدل يتشدد أو يتساهل، وقد يكون المتشدد يتساهل أو يعتدل. فالأمر يحتاج إلى النظر والتأني لا مجرد الاعتماد على هذه الأوصاف في قبول أو رد كلام الأئمة، فهذا منهج محيد عن الحق والصواب.
ولي عودة مع فضيلة الشيخ في بيان بعض الأمور إن شاء الله
ـ[أبو معاذ الحلواني]ــــــــ[21 - 11 - 09, 04:15 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي محمد الأمين ..
¥