لكن من كان في ريب من ما أحكم أنا على بعض الأحاديث فليعد إلى فتح الباري فسيجد هناك أشياء كثيرة وكثيرة جداً ينتقدها الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني الذي يسمى بحق أمير المؤمنين في الحديث والذي أعتقد أنا وأظن أن كل من كان مشاركاً في هذا العلم يوافقني على أنه لم تلد النساء بعده مثله.
هذا الإمام أحمد بن حجر العسقلاني يبين في أثناء شرحه أخطاء كثيرة في أحاديث البخاري بوجه ما كان ليس في أحاديث مسلم فقط بل وما جاء في بعض السنن وفي بعض المسانيد.
ثم نقدي الموجود في أحاديث صحيح البخاري تارة تكون للحديث كله، يقال هذا حديث ضعيف وتارة يكون نقداً لجزء من حديث. أصل الحديث صحيح لكن يكون جزء منه غير صحيح.
من النوع الأول مثلاً حديث ابن عباس: قال: تزوج أو نكح رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم.
هذا الحديث ليس من الأحاديث التي تفرد بها البخاري دون صاحبه مسلم، بل اشتركا واتفقا على رواية الحديث في صحيحيهما.
والسبب في ذلك أن السند إلى راوي هذا الحديث وهو عبد الله بن عباس لا غبار عليه فهو إسناد صحيح لا مجال لنقد أحد رواته، بينما هناك أحاديث أخرى هناك مجال لنقدها من فرد من أفراد رواته.
مثلاً من رجال البخاري رجل اسمه: فليح بن سليمان، هذا يصفه ابن حجر في كتابه التقريب أنه صدوق سيئ الحفظ.
فهذا إذا إذا روى حديثاً في صحيح البخاري وتفرد به ولم يكن له متابع، أو لم يكن لحديثه شاهد يبقى حديثه في مرتبة الضعيف الذي يقبل التقوية بمتابع أو مشاهد.
فحديث ابن ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم لا مجال لنقد إسناده من حيث فرد من رواته كفليح بن سليمان مثلاً، لا كلهم ثقات.
لذلك لم يجد الناقدون لهذا الحديث من العلماء الذين سبقونا بقرون لم يجدوا مجالاً لنقد هذا الحدث إلاَّ في رواية الأول، وهو صحابي جليل، فقالوا إن الوهم جاء من ابن عباس، ذلك لأنه كان صغير السن من جهة، ومن جهة أخرى أنه خالف في روايته لصاحبة القصة أي زوج النبي صلى الله عليه وسلم التي هي ميمونة.
فقد صح عنها أنه عليه السلام تزوجها وهما حلال.
إذاً هذا حديث وهم فيه رواية الأول هو ابن عباس، فكان الحديث ضعيفاً وهو كما ترون كلمات محدودات تزوج ميمونة وهو محرم. أربع كلمات، مثل هذا الحديث وقد يكون أطول منه له أمثلة أخرى في صحيح البخاري.
النوع الثاني: يكون الحديث أصله صحيحاً لكن أحد رواته أخطأ من حيث أنه أدرج في متنه جملة ليست من حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
من ذلك الحديث المعروف في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أمتي يأتون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء))، إلى هنا الحديث صحيح وله شواهد كثيرة زاد أحد الرواة في صحيح البخاري ((فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل))، قال الحافظ بن حجر العسقلاني وعلماء آخرون: هذه الزيادة مدرجة ليست من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من كلام أبي هريرة.
ـ[إبراهيم محمد زين سمي الطهوني]ــــــــ[17 - 10 - 09, 05:21 م]ـ
جزاكم الله عنا وعن الإسلام خيرا.
نعم، إن باب التصحيح والتضعيف والتعليل مفتوح إلى يوم القيامة، لا كما ادعى بعض العلماء، ولكن ليس لكل أحد أن يفتح هذا الباب، بل لمن أطال النظر في هذا العلم ومارسه وفقه قواعده.
أما صحيح البخاري فقد أجمعت الأمة على صحته جملة، وفي ثناياه بعض الأحاديث انتقدها بعض الأئمة ودافع عنها آخرون.
ومن ينقد حديثا فيه فلا يعني هذا أن كلامه صحيح بالقطع، وإن كان من علماء هذا العصر، فإمامة البخاري في الحديث ومعرفته بعلله أمر لا خلاف فيه بين العلماء. فلو أردنا أن نصل إلى ما وصل إليه البخاري من إمامة ومعرفة لما لحقنا به ولو أجهدنا أنفسنا. والبشر بشر يصيب ويخطئ، ولكن الثقة بالأعلم أوثق وأوطد من الثقة بالعالم.
ثم ينبغي أن لا يلقى مثل هذا الكلام في صحيح البخاري لكل الناس، بل كلٌ يخاطب بقدر عقله، وإلا لكانت الفتنة بينهم.
وقد عرفنا أن ما في البخاري من الأصول كله صحيح، سوى أحاديث انتقدها بعض العلماء في أسانيدها، فالمتون صحيحة واردة بأسانيد أخرى متعددة، ولها شواهد أو متابعات.
أما ما في المتابعات فمنها صحيح ومنها حسن ومنها ما دون ذلك.
فلا تفتح باب الفتنة لكل زنديق منافق أو عدو حقود، والله يرعاك ويحفظك من كل سوء، أخي الكريم.
والسلام