فهذا من مناكيره, ووضّح النكارة فيه الإمام الترمذي: "وإنما رفع هذا الحديث عبد الكريم بن أبي المخارق, وهو ضعيف عند أهل الحديث.
وروى عبيد الله عن نافع, عن ابن عمر قال: قال عمر رضي الله عنه: ما بلت قائمًا منذ أسلمت, وهذا أصح من حديث عبد الكريم" اهـ. من (ضعيف سنن الترمذي) (ص2 - 3).
وممدوح نقل مِنْ قول الترمذي: " وإنْما رفع هذا ..... منذ أسلمت" وترك عامدًا متعمدًا- حكم الإمام الترمذي: " وهذا أصح من حديث عبد الكريم" أهذا خُلُق أهل الحديث؟.
** قال ممدوح في (2/ 29): " فتبين أنَّ المرفوع ضعيف لأمرين, لضعف ابن أبي المخارق ومخالفته عبيدالله بن عمر الثقة الحافظ الذي أوقفه."اهـ.
ضعيف خالف ثقة أليس هذا هو المنكر حتى عند ممدوح نفسه؟
والنكارة هنا في الرفع, والمرفوع فيه نهيُ عمر عن البول قائماً والموقوف فيه إخبار عمر عن نفسه بترك البول قائمًا, وهذا لا يلزم منه النهي عن البول قائمًا.
ويظهر قبح هذه المخالفة ثبوت بول عمر وهو قائم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم, قال ابن أبي شيبة في (المصنف) (1/ 155/1311):" حدثنا ابن إدريس عن الأعمش عن زيد قال:
"رأيت عمر بال قائمًا". وعند ابن المنذر في (الأوسط) (1/ 334) من طريق الأعمش عن زيد بن وهب بأزيد مِمََّا هنا.
وإسناده صحيح كما قاله الشيخ ناصر الدين الألباني في (الضعيفة) (2/ 338 - 339).
ورؤية زيد بن وهب لعمر وهو يبول قائمًا قطعًا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ويزيد نكارة ما أخرجه مالك في (الموطأ) , والبيهقي من طريقه في (السنن) (1/ 102) عبد الله بن دينار؛ أنَّه قال: "رأيت عبد الله بن عمر يبول قائمًا". وقال عقبه البيهقي: "وهذا يضعف حديث عبد الكريم" اهـ.
وذلك لأنَّ حديث عبد الكريم هو من طريق عبد الله بن عمر عن أبيه عمر رضي الله عنهما وليس من خلق ابن عمر يبلغه النهي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أمر ثُمَّ يخالفه.
بعد هذا كله يقول ممدوح عن حديث عبد الكريم: "بل صحيح".
هل أتى ممدوح بمتابع لعبد الكريم؟ هذا لا يمكن بعد حكم أئمتنا.
هل أتى ممدوح بشاهد لحديث عبد الكريم في نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عمر رضي الله عنه من البول قائمًا؟.
لا يوجد شيء مِنْ ذلك, وإنِّما ذكر شاهِدَيْن في النهي عن البول قائمًا.
رواية فيها نهي عام تقوَّى بها رواية فيها نهي لشخص معين, أليست هذه التقوية هي التي ذكرها عوامة وسبق نقلها؟.
البحث ليس في النهي عن البول قائمًا, إنِّما البحث هل ثبت أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهي عمر عن البول قائمًا؟.
وبهذا ثبتت مخالفة ممدوح في الأمرين.
** قال ممدوح في (2/ 49): " وهذا الموقوف الصحيح له حكم الرفع, فقوله "منذ أسلمت" مشعر بتلقيه هذا الأدب من النبي صلى الله عليه وآله وسلم, فهذا المرفوع حكمًا فيه غنية لتقوية حديث الباب" اهـ.
الرواية التي ثبتت المخالفة فيها نقويها ونرفع المخالفة عنها بالدليل الذي به أثبتنا وجود المخالفة. أهذه طريقة علل يا ممدوح؟.
الوقف على عمر هي العلة التي بها عللنا رواية عبد الكريم المرفوعة في نهي عمر عن البول قائمًا, فكيف ينقلب الأمر وتكون العلة هي المقوّية للمعلول وهي سبب علته.
ومع هذا نمشي مع صاحب (كتاب عِلَل):
في رواية عبدالكريم المنكرة المردودة –القوية عند ممدوح-:
"رآني النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أبول قائمًا فقال: " يا عمر لا تَبُلْ قائمًا" فما بُلْتُ قائمًا بعد". نأخذ منها:
1 - أنَّ عمر بال قائمًا بعد إسلامه.
2 - نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عمر عن البول قائمًا بعد أسلامه.
3 - بعد نهيه قال: " فما بلتُ قائمًا بعد".
فرواية عبد الكريم –المنكرة- تفيد أن عمر يخبر عن نفسه أنَّه لم يبل قائمًا بعد نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم له عن ذلك.
أمَّا الرواية الموقوفة الصحيحة ففيها " ما بلت قائمًا منذ أسلمت" فهل هذه تقوّي تلك أم هي مخالفة لها تمام المخالفة وتزيد بها نكارة رواية عبد الكريم؟.
ثُمَّ ثبوت بول عمر قائمًا-قطعًا- بعد إسلامه, فهل عمر رضي الله عنه ترك الأدب الذي تلقاه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم أنَّ الأمر لا تعلق له بالأدب الذي به تمحك ممدوح وقال: " له حكم الرفع" وإنَّما هو الأمن من رشاش البول فقط؟.
** قال الحافظ في (فتح الباري) (1/ 330): "وقد ثبت عن عمر وعلي وزيد بن ثابت وغيرهم أَنَّهم بَالوا قيامًا وهو دال على الجواز من غير كراهة إذا أمن الرشاش, والله اعلم, ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النهي عنه شيء" اهـ.
تأمل:" دال على الجواز مِنْ غير كراهة إذا أَمن الرشاش".
تأمل: "لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النهي عنه شيء".
** هذا قول مَنْ وصفه ممدوح فقال في (2/ 42): " فللَّه دَرُّ الحافظ ابن حجر الذي فاق في معرفته وتذوقه للفن عدداً من أكابر الحفاظ المتقدمين" اهـ.
وممدوح خالف الإمام الترمذي و ابن عدي وابن حجر ومتبعهم بإحسان الشيخ ناصر الدين الألباني –رحمه الله-فقال في حديث عبد الكريم هذا في (2/ 28): "بل صحيح, وإطلاق الضعف على لمرفوع والموقوف فيه نظر" اهـ.
مع قوله في (2/ 28): " وقد تفرد به عبد الكريم بن أبي المخارق"اهـ.
فهو منكر لتفرُّد عبد الكريم الضعيف. وهذا منكر عند ممدوح أيضًا.