= وذكر أنّ الله عز وجل مَنَّ بهذا الكتاب: ((حين كاد الباحث عن مُشْكله لا يلقى له كاشفاً، والسائل عن علمه لا يلقى به عارفاً)) كما ذكر ذلك في ((مقدمة كتابه)) (: 146).
فلماذا ألفه إذاً إذا كان لا يرى جواز التصحيح في هذه الأعصار؟ جواز ذلك لما ألّف للناس كتاباً يعلمهم سبيل التصحيح والتحسين والحكم على الأحاديث بما تستحق.
ثم رأيت أبا الحارث علي بن حسن الحلبي – حفظه الله – يقول: ((كلام ابن الصلاح يُفْهَم منه التعسير لا مُطْلق المنع)) كما في حاشية " الباعث " (1/ 112 ط: دار العاصمة) ولم يذكر دليله على ذلك.
هذا وقد استُشْكِل قول ابن الصلاح – رحمه الله -: ((فآل الأمرُ في معرفة الصحيح والحسن، إلى الاعتماد على ما نصَّ عليه أئمة الحديث في تصانيفهم المعتمدة المشهورة التي يُؤمن فيها، لشهرتها، من التغيير والتحريف)).
فقال ابن حجر في " النكت " (1/ 270): ((… فيه نظر؛ لأنّه يشعر بالاقتصار على ما يوجد منصوصاً على صحته وردّ ما جمع شروط الصحة إذا لم يوجد النص على صحته من الأئمة المتقدمين … الخ)).
وقال أيضاً (1/ 271): ((كلامه (يعني: ابن الصلاح) يقتضي الحكم بصحة ما نقل عن الأئمة المتقدّمين فيما حكموا بصحته في كتبهم المعتمدة المشهورة والطريق التي وصل إلينا بها كلامهم على الحديث بالصحة وغيرها هي الطريق التي وصلت إلينا بها أحاديثهم، فإن أفاد الإسناد صحة المقالة
عنهم، فليفد الصحة بأنّهم حدّثوا بذلك الحديث ويبقى النظر إنما هو في الرجال الذين فوقهم، وأكثر رجال الصحيح كما سنقرره)). أه*.
وحمله الدكتور المليباري – حفظه الله – في كتابه " تصحيح الحديث " (26) على أنّ معناه:
((معرفة صحة أو حسن أحاديث الأجزاء ونحوها، وليس مطلق الأحاديث)).
ثم عاد فقال (29): ((على أنّ الأمر إذا لم يكن كما ذكرناه سابقاً فلا يخلو قوله: (فآل الأمر إذاً في معرفة الصحيح والحسن إلى الاعتماد على ما نصّ عليه أئمة الحديث في تصانيفهم المعتمدة المشهورة التي يُؤْمَن فيها لشهرتها من التغيير والتحريف) من تناقض صريح، كما بينه الحافظ ابن حجر…الخ)) أه*.
والظاهر أنّ مراد ابن الصلاح من قوله: ((فآل الأمرُ إذاً في معرفة الصحيح والحسن … الخ)) مطلق الأحاديث.
ويكون قوله: ((إلى الاعتماد على ما نصّ عليه أئمة الحديث في تصانيفهم)) بمعنى ما ذكره أئمة الحديث في تصانيفهم المعتمدة، لا ما نصُّوا على صحته أو حسنه ويؤيده أنه عطف على كلامه هذا قوله: ((وصار معظم المقصود بما يُتَداول من الأسانيد خارجاً عن ذلك، إبقاء سلسلة الإسناد…الخ))، فالمراد معظم المقصود بما يُتداول من الأسانيد خارجاً عن المصّنفات المعتمدة، ويحتمل أن يعود الضمير= = إلى أبعد مذكور وهو قوله: ((إلى الاعتماد على ما نصّ عليه أئمة الحديث، وهذا يحتاج إلى قرينة ومع ذلك لا يستقيم عود الضمير على قوله: ((ما نصّ عليه أئمة الحديث)) إلا بالمعنى المذكور هنا من تفسير ((النصّ)) هنا بمعنى ذِكْر الأسانيد في مصنفاتهم لا بمعنى ((النصّ)) على الصحة أو الحسن، إذْ لم يقل أحد بأنَّ ما ورد في الكتب المعتمدة كالسُّنن وغيرها مما لم يُنصّ على صحته إنّما يُتداول من أجل إبقاء سلسلة الإسناد التي خُصَّتْ بها هذه الأمة.
ويؤيد ذلك أيضاً عدوله – يعني ابن الصلاح – عن التعبير بالنصّ على الصحة واقتصاره على مجرد النصّ على هذه الأسانيد.
ويؤيد ذلك قوله في ((الفائدة السابعة)) (169): ((وإذا انتهى الأمر في معرفة الصحيح إلى ما خرَّجه الأئمة في تصانيفهم الكافلة ببيان ذلك كما سبق ذكره …))، وقوله في ((الفائدة الثامنة)) (173): ((إذا ظهر – بما قدمناه – انحصارُ طريق معرفة الصحيح والحسن الآن، في مراجعة الصحيحين وغيرها من الكتب المعتمدة …)).
وقوله في كلامه على ((جواز العمل اعتماداً على ما يُوثقَ به من الوجادة)) (360): ((قطع بعض المحققين من أصحابه. (يعني: الشافعي). في (أصول الفقه) بوجوب العمل به عند حصول الثقة به، وقال: ((لو عُرِضَ ما ذكرناه على جملة المحدّثين لأبَوْهُ)). وما قطعَ به هو الذي لا يتجه غيره في الأعصار المتأخرة، فإنّه لو توقَّفَ العمل فيها على الرواية لانسدّ باب العمل بالمنقول، لتعذُّر شرط الرواية فيها على ما تقدّم في النوع الأول)) أه*.
وعلى هذا التأويل المذكور هنا يزول التعارض الظاهري بين أجزاء كلام ابن الصلاح – رحمه الله
تعالى – وهذا التأويل يحتاج إلى تدبُّر فلا تبادر بالإنكار رعاك الله.
وتبقى بعض أشياء لعلِّيّ أذكرها في موضع آخر يناسبها إن شاء الله ذلك وقدره بمنِّه وكرمه سبحانه وتعالى)). انتهى كلامه. (الشذا الفياح 1/ 77 – 80).
ـ[ماهر]ــــــــ[19 - 09 - 06, 09:23 م]ـ
وقلت في تعليقي على كتاب " النكت على كتاب ابن الصلاح ": 90:: (( ............. ، ثم وقفت بعدها على كلام نفيس لشيخنا العلامة الدكتور هاشم جميل فقد قال: ((كلام الحافظ ابن الصلاح هذا وإن كان قد خالفه فيه غير واحد من الحفاظ كما هو واضح، إلاّ أن له دلالة مهمة وهي إن الإقدام على الحكم بصحة حديث قضية تنبنى عليها تبعة خطيرة أمام الله تعالى فإذا كان الحافظ ابن الصلاح مع جلالة قدره لا يرى نفسه أهلاً لتحمل هذه المسؤولية فكيف الحال بالنسبة لمن هو دونه وأنا لا أدعى رجحان ما ذهب إليه ابن الصلاح ولكن نقول مقولة هذا العلم من أعلام السنة تحذير خطير لكل من يريد ولوج ميدان الحكم على الأحاديث النبوية الشريفة لأن الحكم على الحديث شرع حيث أن السنة مصدر مهم من مصادر الأحكام يستنبط من صحيحها الحلال والحرام)). انظر: حاشية كتاب الإمام ابن خزيمة ومنهجه في كتاب الصحيح 1/ 338.
قلت: وهذا نفس ما ذهب إليه من أنَّ ابن الصلاح أراد التعسير وصعوبة الأمر وأنه لا يستطيعه كل
أحد، والحمد لله على توفيقه.
¥