[اشكال في شرح النخبة للدكتور الحميد]
ـ[أبوالوليد السلفي]ــــــــ[23 - 12 - 06, 07:22 م]ـ
وقع لي و أنا أستذكر شرح النخبة لفضيلة الشيخ سعد بن عبدالله الحميد _ حفظه الله _ إشكالاً و بحثتُ فلم أجد ما يزيح هذا الإشكال من كلامه. و قد وقفتُ على ثلاثة شروح للنخبة لفضيلة الشيخ الحميد و وجدتُ أنهم اجتمعوا على نفس الأمر , و هو تقسيم المتواتر إلى ما يفيد العلم الضروري و ما يفيد العلم النظري. و خص تواتر الحديث بافادة العلم النظري. و ما هو بخلاف ذلك كوجود البلدان و الشخصيات بافادة العلم الضروري.
الإشكال هو أني لم أجد مثل هذا التقسيم فيما نظرتُ فيه. فمن قال بهذا التقسيم أيضاً مع الشيخ _ حفظه الله _ و يا ليتَ من يفيد في هذا الموضع , و كلامي هذا متبوع بص كلام الشيخ , و جزاكم الله خيراً.
فإذًا المتواتر عندنا نوعان،
النوع الأول: وهو ما يفيد العلم الضروري.
والنوع الثاني: وهو ما يفيد العلم النظري، هذا من حيث الثبوت.
أنواع المتواتر من حيث النوع
أما من حيث النوع أيضًا المتواتر ينقسم إلى نوعين:
النوع الأول: متواتر لفظي.
والنوع الثاني: متواترٌ معنوي، سنأتي -إن شاء الله تعالى- عليها.
ما هو العلم الضروري؟
نتكلم الآن على قضية العلم الضروري، والعلم النظري.
العلم الضروري ما هو؟
العلم الضروري هو الذي يضطر صاحبه إلى التصديق، لابد أن يصدق.
مثلما قلت عن وجود عنترة بن شداد، أو بلد من البلدان، على سبيل المثال: يمكن كثير
منا ما رأى استراليا، لكن هل يشك أحدٌ منا أن هناك قارة يُقال لها استراليا، وأن
وهناك ناسًا يعيشون وألوانهم بيض ونحو ذلك، ما أحد يشك منا في وجود استراليا مع
أننا ما رأيناها، اللهم إن كان عن طريق الصور، دعونا نقول: قبل وجود الصور، كانت
هناك أخبار تتناقل عن البلدان، على سبيل المثال: عند أسلافنا الذين كانوا مثلا في
القرن الثاني والثالث ونحو ذلك، كانوا يعرفون أن هناك بلدانًا ويصدقون بوجودها مع
أنهم ما رأوها، ولا يشكون في وجود هذه البلدان، كيف استطاعوا إذًا التصديق بوجود
مثل هذا العلم الذي يضطر صاحبه إلى التصديق به، وهو ما يسمى بالعلم الضروري؟ فليس
أمامك أسانيد حتى تبحث بها وتفتش، فذلك يصدق عليه كلام الحافظ ابن حجر أنه ليس من
مباحث علم الإسناد.
لكن إذا جاءتنا أحاديث كثيرة، مثل ما ضربوا له مثالا بحديث (من كذب علي متعمدًا)،
فإذًا لابد من وجود علم الإسناد حتى نبحث في هذه القضايا، لذلك كيف استطعنا أن نعرف
أن حديث الطير ... ؟ حديث الطير ربما أحدكم يسأل عنه، حديث الطير هو حديث يقولون: إن
أنسًا رضي الله عنه يقول: كنت عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فأُهدي له طيرٌ مشوي،
فقال "اللهم ائتني بأحب خلقك يأكل معي من هذا الطير" قال: فإذا بالباب يُطرق فقلت
في نفسي اللهم اجعله امرءًا من الأنصار، فلما فتح الباب فإذا بعلي رضي الله عنه،
قال: فقلتُ: النبي -صلى الله عليه وسلم- على حاجة، يعني لا يريد هذه المزية وهذه
الفضيلة لعلي -رضي الله عنه، يريدها لرجل من الأنصار؛ لأنه من الأنصار، فانصرف علي
-رضي الله عنه، فدعا النبي -صلى الله عليه وسلم- مرةً أخرى، وإذا بالباب يُطرق
ويكون عليًّا -رضي الله عنه، ويعيد أنس نفس الأمنية أو نفس الدعاء، وهكذا ثلاث
مرات، وفي الرابعة دفع عليٌّ -رضي الله عنه- في صدر أنس ودخل بعنف، فقال له النبي
-صلى الله عليه وسلم- "ما أبطأ بك"، فقال يا رسول الله هذه رابع مرة أطرق فيها،
ويقول لي أنس كيت وكيت، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم:" ما حملك على ما صنعت يا
أنس؟ " فقال: يا رسول الله رجوت أن يكون امرءًا من الأنصار، فقال النبي -صلى الله
عليه وسلم:" إن الرجل قد يحب قومه".
هذا الحديث مفاده أن عليًّا -رضي الله عنه- أحب إلى الله أيضًا حتى من النبي -صلى
الله عليه وسلم؛ لأنه يقول: "بأحب خلقك إليك"، فلم يستثن حتى نفسه -صلى الله عليه
وسلم، ثم هذا الحديث ينافي ما ثبت من الأحاديث الصحيحة في أن أفضل هذه الأمة بعد
نبيها هو أبو بكرٍ -رضي الله عنه- ثم عمر ثم عثمان أيضًا، وكان عليًّ -رضي الله
عنه- يعترف بهذه الفضيلة لهؤلاء الخلفاء -رضي الله عنهم أجمعين، فإذًا هذا الحديث
رغم كثرة الطرق إليه إلا أننا نقول: إنه حديثٌ غير صحيح.
نعود لما كنا فيه، كيف استطعنا أن نعرف إنه غير صحيح؟ عن طريق الإسناد، فتشنا في
الأسانيد فوجدنا أن جميع الأسانيد لا تصح، كلها معلولة، ولذلك نقدها الحافظ ابن
كثير في البداية والنهاية نقدًا مبرمًا.
فهذا الذي يقول بعضهم إنه من مباحث علم الإسناد، وبعضهم يقول إنه ليس من مباحث علم
الإسناد، فالذي ليس من مباحث علم الإسناد ويفرض علينا تصديق هذا يُسمى العلم
الضروري، والذي من مباحث علم الإسناد ويكتشف بعد البحث أن طرقه ثابتة وصحيحة مثل
أحاديث الشفاعة، أحاديث الرؤية، وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة، هذه نقول إنها
أحاديث متواترة، كيف استطعنا أن نعرف أنها متواترة؟ من خلال مباحث علم الإسناد.
ما العلم الذي يفيدنا من هذا التواتر؟
يفيدنا العلم، لكنه العلم النظري، أي الناشئ بعد النظر والتتبع والاستقراء.
¥