تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[تفرد الراوي الصدوق بين القبول والتوقف، للشيخ د. خالد بن منصور الدريس (1 - 3)]

ـ[محمد بن عبدالله]ــــــــ[14 - 12 - 06, 11:27 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

توطئة:

الحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد.

فهذا بحث عن تفرد الصدوق والثقة أيضاً، استللته من كتابي " الحديث الحسن لذاته ولغيره دراسة استقرائية نقدية "، طلب مني أحد الفضلاء من أعلام المحدثين المعاصرين أن أنشره مستقلاً، فاستحسنت الفكرة؛ لأن الكتاب الأصلي قد نشر في خمس مجلدات في دار أضواء السلف بالرياض سنة 1426هـ، فغدى ثمنه غالياً على كثير من طلبة العلم، فقل الانتفاع به بسبب ذلك، وكان هذا على غير رغبة مني، وأما أصل البحث فهو موجود في المجلد الرابع، في الباب الثالث المتعلق بالحديث الحسن لذاته، نبهت على ذلك ليعلم أن الإحالات الموجودة داخل البحث على بعض الفصول أو المباحث تُطالع في الأصل المنشور.

والكتاب الأصلي هو رسالة دكتوراه، كانت خطة البحث قدمت في سنة 1415هـ، وتم الانتهاء من طباعة الأصل في شعبان 1420هـ، وجرت المناقشة في أول سنة 1421هـ في الأسبوع الثاني من المحرم، ومن حصلت الأطروحة بحمد الله وتوفيقه على درجة الامتياز مع التوصية بالطبع على نفقة الجامعة.

تعريف الصدوق:

يقول أبو الحسين أحمد بن فارس: (الصاد والدال والقاف أصلٌ يدلُ على قوةٍ في الشيء قولاً وغيره. من ذلك الصدق: خلاف الكذب، سُمي لقوته في نفسه، ولأن الكذب لا قوة له، هو باطل) [1].

فالصدوق: "وصف بالصدق على طريقة المبالغة" [2].

* تفريق المحدثين بين الثقة والصدوق:

سئل عبدالرحمن بن مهدي: أبو خلدة ثقة؟ فقال: (كان صدوقاً، وكان مأموناً، الثقة سفيان وشعبة) [3].

قال ابن أبي حاتم معلقاً على هذا النص: (فقد أخبر أن الناقلة للآثار والمقبولين على منازل، وأن أهل المنزلة الأعلى الثقات، وأن أهل المنزلة الثانية: أهل الصدق والأمانة) [4]. وقد جعل الصدوق في المرتبة الثانية بعد الثقة كما سبق نقل كلامه في ذلك.

وقال أبو عبدالله الحاكم: (إن أئمة النقل قد فرقوا بين الحافظ والثقة، والثبت والمتقن والصدوق، هذا في التعديل) [5].

استعمالات النقاد للفظة "صدوق":

تأتي لفظة "صدوق" في استعمالات أئمة النقد على ثلاث حالات:

الأولى: مطلقة من دون تقييد كقولهم: "فلان صدوق".

الثانية: مقترنة بما يفيد التوثيق وتمام الضبط، فمن ذلك قول ابن أبي حاتم في كثير من مشايخه: "ثقة صدوق" [6]، وكذا قول أحمد بن حنبل [7] في بعض الرواة، وتجيء الصيغة في بعض المواضع هكذا: "صدوق ثقة" [8] عند ابن أبي حاتم، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً.

الثالثة: مقترنة بما يفيد عدم الاحتجاج، فمن ذلك مثلاً قول أبي زرعة الرازي في أحد الرواة: (ليِّن الحديث مدلس) فقيل له: هو صدوق؟ قال: (نعم، كان لا يكذب) [9].

وقول ابن معين في عدد من الرواة: (صدوق وليس بحجة) [10]، وقال في أحد الرواة: (صدوق كثير الخطأ) [11].

ومن ذلك ما قاله يعقوب بن شيبة في أحد الرواة: (واهي الحديث، في حديثه اضطراب كثير، وهو صدوق) [12].

ومنها قول ابن خراش: (سيئ الحفظ صدوق) [13]، وقول عمرو بن علي الفلاس: (صدوق، كثير الخطأ والوهم، متروك) [14].

وقد قال البخاري في محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى: (صدوق، إلا أنه لا يُدرى صحيح حديثه من سقيمه)، قال الترمذي: (وضعف حديثه جداً) [15]، وقال البخاري في النعمان بن راشد: (في حديثه وهم كثير، وهو صدوق في الأصل) [16].

والأمثلة على ذلك كثيرة جداً تدل على أن عدداً من أئمة الحديث يطلقون "الصدوق" على من لم يكن متهماً بالكذب ويدخل في ذلك بدون ريب من كان ضعيفاً لا يحتج به.

وقد استقر عُرف المحدثين على أن لفظة "صدوق" إذا أطلقت من غير تقييد فإنها تفيد أن الراوي يكون عدلاً ولكنه دون الثقة من حيث الضبط.

ويدخل في حكم الصدوق من قيل فيه: "لا بأس به" و"محله الصدق"، وغيرها من الألفاظ التي سبق ذكرها في الفصل السابق.

وحقيقة الصدوق وماهيته، عبَّر عنها الذهبي في قوله: (الصدوق لا يكثر خطؤه) [17]، وقوله في أحد الرواة: (صدوق، قيل: كان يخطئ، فالصدوق يخطئ) [18].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير