[دراسة في التصحيف والتحريف]
ـ[ماهر]ــــــــ[01 - 02 - 07, 08:57 م]ـ
[دراسة في التصحيف والتحريف]
التصحيف والتحريف من الأمور الطارئة الَّتِيْ تقع في الْحَدِيْث سنداً أو متناً عِنْدَ بعض الرُّوَاة، وَهُوَ من الأمور المؤدية إلى الاختلاف في الْحَدِيْث الذي هو رأس علم العلل. فيحصل لبعض الرُّوَاة أوهام تقع في السند أَوْ في الْمَتْن بتغيير النقط أو الشكل أو الحروف.
وهذا النوع من الخطأ يسمى عِنْدَ الْمُحَدِّثِيْنَ بـ (التصحيف والتحريف).
والتصحيف هُوَ: تغيير في نقط الحروف أو حركاتها مع بقاء صورة الخط (1).
والتحريف: هُوَ العدول بالشيء عن جهته، وحرَّف الكلام تحريفاً عدل بِهِ عن جهته، وَقَدْ يَكُوْن بالزيادة فِيْهِ، أو النقص مِنْهُ، وَقَدْ يَكُوْن بتبديل بعض كلماته، وَقَدْ يَكُوْن بجعله عَلَى غَيْر المراد مِنْهُ؛ فالتحريف أعم من التصحيف (2).
ولابد من الإشارة إلى أن المتقدمين كانوا يطلقون المصحف والمحرف جميعاً عَلَى شيء واحد، ولكن الحافظ ابن حجر جعلهما شيئين وخالف بينهما، فَقَدْ قَالَ: ((إن كانت المخالفة بتغيير حرف أو حروف مع بقاء صورة الخط في السياق فإن كَانَ ذَلِكَ بالنسبة إلى النقط فالمصحف، وإن كَانَ بالنسبة إلى الشكل فالمحرّف)) (3).
وعلى هَذَا فالتصحيف هُوَ الَّذِيْ يَكُوْن في النقط؛ أي في الحروف المتشابهة الَّتِيْ تختلف في قراءتها مثل: الباء والتاء والثاء، والجيم والحاء المهملة والخاء المعجمة، والدال المهملة والذال المعجمة، والراء والزاي.
ومعرفة هَذَا الفن من فنون علم الْحَدِيْث لَهُ أهمية كبيرة (4)؛ وذلك لما فِيْهِ من
تنقية الأحاديث النبوية مِمَّا شابها في بعض الألفاظ سواء كَانَ في متونها أم في رجال أسانيدها.
وعندما كثر التصحيف والتحريف بَيْنَ الناس شرع الحفاظ من أهل الْحَدِيْث بتصنيف كتب: (التصحيف والتحريف) وكتب (المؤتلف والمختلف) (5)، وهذا الفن فن جليل لما يحتاج إِلَيْهِ من الدقة والفهم واليقظة، وَلَمْ ينهض بِهِ إلا الحفاظ الحاذقون قَالَ ابن الصَّلاَحِ: ((هَذَا فن جليل إنما ينهض بأعبائه الحذاق من الحفاظ)) (6).
والسبب في وقوع التصحيف والإكثار مِنْهُ إنما يحصل غالباً للآخذ من الصحف وبطون الكتب، دون تلق للحديث عن أستاذ من ذوي الاختصاص؛ لِذَلِكَ حذر أئمة الْحَدِيْث من عمل هَذَا شأنه، قَالَ سعيد بن عَبْد العزيز التنوخي (7): ((لا تحملوا العلم عن صحفي، ولا تأخذوا القرآن من مصحفي)) (8).
أقسام التصحيف
للتصحيف بحسب وجوده وتفرعه أقسام. ينقسم إِلَيْهَا وَهِيَ ستة أنواع:
القسم الأول: التصحيف في الإسناد:
مثاله: حَدِيْث شعبة، عن العوام بن مراجم (9)، عن أبي عثمان النهدي (10)، عن عثمان بن عفان، قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم: ((لتؤدنَّ الحقوق إلى أهلها…الْحَدِيْث)) (11).
وَقَدْ صحف فِيْهِ يحيى بن معين، فَقَالَ: ((ابن مزاحم)) – بالزاي والحاء – وصوابه: ((ابن مراجم)) – بالراء المهملة والجيم – (12).
ومنه ما رواه الإمام أحمد (13)، من طريق شعبة، قَالَ: حَدَّثَنَا مالك بن عرفطة – قَالَ (14): وإنما هُوَ خالد بن علقمة – قَالَ: سَمِعْتُ عَبْد خير يحدّث، عن عائشة، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: ((أنه نهى عن: الدباء (15)، والحنتم (16)، والمزفت (17))).
وَقَدْ أخطأ الإمام شعبة بن الحجاج فصحف في هَذَا الاسم فَقَالَ: ((مالك بن عرفطة))، وصوابه: ((خالد بن علقمة)) كَمَا نبه عَلَى ذَلِكَ الإمام أحمد –كَمَا سبق– (18) وَقَدْ رَوَاهُ أبو عوانة، عن شعبة، فأخطأ فِيْهِ كذلك فِيْمَا أخرجه الْخَطِيْب في موضح أوهام الجمع والتفريق (19).
ثُمَّ رجع إلى الصواب فِيْمَا أخرجه عَنْهُ الْخَطِيْب في " تاريخ بغداد " (20) وَقَالَ: ((عن شعبة، عن خالد بن علقمة، عن عَبْد خير، بِهِ)).
القسم الثاني: التصحيف في الْمَتْن:
ومثاله حَدِيْث أنس مرفوعاً: ((ثُمَّ يخرج من النار من قَالَ: لا إله إلا الله، وَكَانَ في قلبه من الخير ما يزن ذرة)) (21).
قَالَ ابن الصَّلاَحِ: ((قَالَ فِيْهِ شعبة: ((ذُرَةً)) – بالضم والتخفيف – ونسب فِيْهِ إلى التصحيف)) (22)
¥