تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال ابن حجر: (رواية الصدوق الذي لم يوصف بتمام الضبط والإتقان، هو الحسن لذاته) [19]، وهو دون الثقة كما هو العُرف، وفوق من لا يحتج بحديثه إلا إذا اعتضد بغيره كما تم إيضاحه في الفصول السابقة من هذا الباب.

وللفظة "صدوق" علاقة وطيدة بابن أبي حاتم، حيث أكثر من إيرادها في كتابه "الجرح والتعديل" عن أبيه وعن غيره من كبار أئمة النقد، ولا أعرف كتاباً في علم الجرح والتعديل قبل ابن أبي حاتم وردت فيه لفظة "الصدوق" بكثرة كما وردت في كتابه.

فقد بلغ عدد مرات ورودها أكثر من 1200 مرة تقريباً بصِيَغٍ متعددة، وهو أقدم من وضع لها مرتبة في سلم الجرح والتعديل.

وقد أثار حكمه على ما يرويه الصدوق بعض الخلاف بين اثنين من أساتذة الحديث في عصرنا، هما الشيخ العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله -، والأستاذ الدكتور نور الدين عتر.

فذهب الشيخ الألباني - رحمه الله - إلى أن "الصدوق" حسن الحديث ويحكم على حديثه بأنه حسن لذاته واحتج على ذلك بكلام الذهبي في مقدمة ميزانه، وبكلام ابن حجر في مقدمة "التقريب"، وقد نقلنا كلامهما في الفصل السابق، ثم علق على ذلك بقوله: (فأنت ترى أن الذهبي جعل من قيل فيه "صدوق" في مرتبة من قيل فيه: "جيد الحديث، حسن الحديث"، وكلام الحافظ ابن حجر لا يخرج عنه، فإن من كان عنده من المرتبة الثالثة لاشك في أن حديثه صحيح، فمن كان عنده من المرتبة الرابعة، فحديثه حسن بداهة، وذلك ما صرح به المحقق أحمد شاكر في "الباعث الحثيث" (ص118)، ولولا ضيق المقام لنقلت كلامه، فأكتفي بالإشارة إليه) [20].

وقد رد الدكتور العتر هذا الكلام بقوله: (وقد كان يكفي .. أن يرجع إلى كتاب إمام الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي ... [حيث] يقول: "وإذا قيل له: صدوق أو محله الصدق أو لا بأس به، فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه، وهي المنزلة الثانية" انتهى كلامه.

وقد اعتمد كافة أئمة الحديث من بعد كلامه ... وهذه عبارة الإمام ابن الصلاح قالها يؤيد بها كلام الإمام الرازي: "وهو كما قال، لأن هذه العبارات لا تُشعر بشريطة الضبط") [21].

وهو يرى "أن حديث الصدوق ليس ضعيفاً، ولكنه لا يحتج به مطلقاً، بل لا بد قبل الاحتجاج به أن يُنظر في حديثه؛ لأن "الصدوق" لم يوصف بالضبط أي الحفظ، فاحتاج إلى التحري من اتصافه بذلك كي يحتج به" [22].

ونقل الدكتور العتر "الاتفاق [23] على أن كلمة "صدوق" لا يحتج بمن قيلت فيه إلا بعد الاختبار والنظر، ليعلم هل يضبط الحديث أم لا؟ " ويرى أن" ذلك يرد ما زعمه بعض الناس من أن من قيلت فيه يكون حديثه حجة من الحسن لذاته، دون أن يقيده بأن ينظر فيه" [24].

فحقيقة الخلاف بينهما تتلخص في السؤال الآتي: هل حديث "الصدوق" حجة حتى يثبت أنه أخطأ أم لا يحتج به حتى يثبت أنه حفظ؟

ولا ريب أن الخلاف في حكم تفرد الصدوق بين القبول والتوقف؛ مسألة لها آثار مهمة للغاية، ويكفي لبيان أهميتها أن يُعلم أن ما يقارب من ربع رجال تقريب التهذيب قد حكم عليهم الحافظ ابن حجر بعبارات مثل: "صدوق" أو "صدوق يهم" أو "صدوق يخطئ" ونحوها، وقد بلغ عددهم ما يقرب من (1831) من مجمل تراجم الكتاب.

ومنهم (210) راوياً ممن أخرج لهم البخاري في صحيحه، و (269) ممن أخرج لهم مسلم في صحيحه من غير الذين أخرج لهم البخاري [25] فمجموعهم في الكتابين من غير المكرر يبلغ (479) راوياً، وأكثرهم في الشواهد والمتابعات.

ومن المعلوم أن علماء الحديث قد اتفقوا على صحة متون الكتابين إلا أحرفاً يسيرة وقع النزاع فيها، وقد سبق أن ذكرنا أننا مع الرأي القائل بعدم تحسين شيء من أحاديثهما، وإنما ذكرنا تلك الإحصائية ليُعلم أن الكلام في تفرد الصدوق في غاية الأهمية لكثرة الموصوفين بوصف "الصدوق".

ومسألة "التفرد" لها أثر ضخم جداً في علم الجرح والتعديل، وعلم العلل، ومن تأمل كثيراً من كتب العلل والرجال سيرى بما لا يدع مجالاً للشك أثرها الكبير في نقد العديد من كبار الأئمة.

فالنصوص التي تدل على نقد الرواة أو بعض مروياتهم بسبب التفرد أو لعدم المتابعة كثيرة جداً في التاريخين الكبير والأوسط للبخاري، وضعفاء العقيلي، والكامل لابن عدي، وتهذيب التهذيب والعلل لابن أبي حاتم وغيرها من المصادر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير