تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فأقعده من وراء الحجاب، فجعل يسأله من ذَلِكَ الكتاب، فما زاد ولا نقص، ولا قدّم ولا أخّر (43).

وروى الحافظ أبو خيثمة زهير (44) بن حرب في " كتاب العلم " (45) قَالَ: حَدَّثَنَا جرير (46)، عَنْ عمارة بن القعقاع (47)، قَالَ: قَالَ لي إبراهيم (48): حَدِّثنِي عَنْ أبي زرعة (49) فإني سألته عَنْ حَدِيْث، ثُمَّ سألته عَنْهُ بَعْدَ سنتين فما أخرم (50) مِنْهُ حرفاً)).

وهذا نوع من أنواع الكشف عَنْ الخلل المتوقع طرؤه عَلَى المحدّث عِنْدَ تقدم السَّمَاع لَهُ، وكانت ثمة طرق أخرى للمحدّثين يستطيعون من خلالها الكشف عَنْ حال المحدّث، وهل طرأ لَهُ اختلاط في ما يرويه أَوْ بعض ما يرويه أم أنه حافظ ومتقن لما يروي ويحدّث؟

ومن طرق الْمُحَدِّثِيْنَ في مَعْرِفَة اختلاط الرُّوَاة: أن الناقد مِنْهُمْ كَانَ يدخل عَلَى الرَّاوِي ليختبره فيقلب عَلَيْهِ الأسانيد والمتون، ويلقنه ما ليس من روايته، فإن لَمْ ينتبه الشيخ لما يراد بِهِ فإنه يعد مختلطاً ويعزف الناس عَنْ الرِّوَايَة عَنْهُ، ومما يذكر في هَذِهِ البابة ما أسند إلى يحيى بن سعيد قَالَ: ((قدمت الكوفة وبها ابن عجلان (51) وبها ممن يطلب الْحَدِيْث: مليح بن وكيع (52) وحفص بن غياث (53) وعبد الله بن إدريس (54) ويوسف بن خالد السمتي (55)، فقلنا: نأتي ابن عجلان، فَقَالَ يوسف بن خالد: نقلب عَلَى هَذَا الشيخ حديثه، ننظر تفهُّمه، قَالَ: فقلبوا فجعلوا ما كَانَ عَنْ سعيد عَنْ أبيه، وما كَانَ عَنْ أبيه عَنْ سعيد، ثُمَّ جئنا إِلَيْهِ، لَكِنْ ابن إدريس تورّع وجلس بالبابِ وَقَالَ: لا استحلُّ وجلست مَعَهُ. ودخل حفص، ويوسف بن خالد، ومليح فسألوه فمرّ فِيْهَا، فلما كَانَ عِنْدَ آخر الكتاب انتبه الشيخ فَقَالَ: أعد العرض (56)، فعرض عَلَيْهِ فَقَالَ: ما سألتموني عَنْ أبي فَقَدْ حَدَّثَنِي سعيد بِهِ، وما سألتموني عَنْ سعيد فَقَدْ حَدَّثَنِي بِهِ أبي، ثُمَّ أقبل عَلَى يوسف بن خالد فَقَالَ: إن كُنْتَ أردت شيني وعيبِي فسلبك الله الإسلام، وأقبل عَلَى حفص فَقَالَ: ابتلاك الله في دينك ودنياك، وأقبل عَلَى مليح فَقَالَ: لا نفع الله بعلمك. قَالَ يحيى: فمات مليح وَلَمْ ينتفع بِهِ، وابتلي حفص في بدنه بالفالج (57) وبالقضاء في دينه، وَلَمْ يمت يوسف حَتَّى اتُّهمَ بالزندقة (58).

وعلى الرغم من اختلاف العلماء في جواز ذَلِكَ وعدمه (59)، إلاّ أنهم استطاعوا أن يحددوا في كثير من الأحيان الفترة الزمنية الَّتِيْ دخل فِيْهَا الاختلاط عَلَى هَذَا الرَّاوِي، كَمَا حددوا اختلاط إسحاق بن راهويه (60) بخمسة أشهر، فَقَالَ أبو داود (61): ((تغيّر قَبْلَ أن يموت بخمسة أشهر، وسمعتُ مِنْهُ في تِلْكَ الأيام فرميت)) (62). وكذلك حددوا وقت اختلاط جرير بن حازم (63)، قَالَ أبو حاتم (64): ((تغيّر قَبْلَ موته بسنة)) (65). وحددوا وقت اختلاط سعيد بن أبي سعيد المقبري (66)، قَالَ ابن سعد (67): ((ثقة، إلا أنه اختلط قَبْلَ موته بأربع سنين)) (68).

وعلى الرغم من احتياطات الْمُحَدِّثِيْنَ وإمعانهم في تحديد وقت الاختلاط، فإنهم لَمْ يتمكنوا من تحديد الساعات الأولى لبدء الاختلاط، فالاختلاط – كَمَا سبق – آفة عقلية تبدأ بسيطة ثُمَّ تكبر شَيْئاً فشيئاً، ويتعاظم أمرها بالتدريج، وفي هَذِهِ الفترة الواقعة بَيْنَ بداية الاختلاط وظهوره وتفشيه، يَكُوْن المختلط قَدْ رَوَى أحاديث تناقلها الرُّوَاة عَنْهُ، من غَيْر أن يعرفوا اختلاطه حين أخذهم عَنْهُ، ولربما كَانَ هَذَا الأمر سبباً في دخول الاختلاف والاضطراب في بعض أحاديث الثقات.

غَيْر أن علماء الْحَدِيْث – رحمهم الله – لَمْ يتركوا قضية الاختلاط والمختلطين عَلَى عواهنها، بَلْ إنهم نقبوا وفتشوا أحوال الرُّوَاة جيداً، وقسموا الرُّوَاة عَنْ المختلطين عَلَى أربعة أقسام:

الأول: الَّذِيْنَ رووا عَنْ المختلط قَبْلَ اختلاطه.

الثاني: الَّذِيْنَ رووا عَنْهُ بَعْدَ اختلاطه.

الثالث: الَّذِيْنَ رووا عَنْهُ قَبْلَ الاختلاط وبعده، وَلَمْ يميزوا هَذَا من هَذَا.

الرابع: الَّذِيْنَ رووا عَنْهُ قَبْلَ اختلاطه وبعده وميزوا هَذَا من هَذَا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير