تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد شنَّع الذهبي -رحمه الله- على العقيلي لما ذكر إمام العلل علي بن المديني وذكر في رده عليه ما يدل على أن من منهج العقيلي القدح في بعض الرواة العدول وإن كان في ضبطهم بعض القصور بسبب التفرد وعدم المتابعة فقال: (وأنا أشتهي أن تعرفني من هو الثقة الثبت الذي ما غلط ولا انفرد بما لا يتابع عليه) [17]، ثم قال: (فانظر أول شيء إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبار والصغار، ما فيهم أحد إلا وقد انفرد بسُنة، فيقال له: هذا الحديث لا يُتابع عليه؟! وكذلك التابعون، كل واحد عنده ما ليس عند الآخر من العلم) [18].

وللوقوف على نموذج واضح عن موقف العقيلي من مسألة تفرد بعض الثقات والصدوقين فليرجع إلى ترجمة عبدالله بن دينار في كتابه الضعفاء [19].

ونصوص العقيلي في ذلك كثيرة جداً وظاهرة المعنى، فعلى من أراد أن يُرضي يقينه أن يرجع إلى ضعفائه.

أدلة من توقف في تفرد الصدوق غير المحتمل:

1 - فرَّق المحدثون بين الثقة والصدوق، فجعلوا الأول أعلى من الثاني مرتبة، وذلك لأن أخطاء الصدوق أكثر من معدل الخطأ المعفو عنه الذي لا يخلو منه ثقة.

فمن قال: إن تفرد الصدوق مقبول ما لم يخالف، فقد ساواه بالثقة، وعمل المحدثين على التفريق بينهما، ولا يكون للتفريق حقيقة إلا في التفرد الخالي من الموافقة أو المخالفة، لأنه في حالة الموافقة لا نزاع في قبوله ولا يتطرق الشك في حفظه لوجود العاضد، وفي حالة المخالفة فلا نزاع في أن حديثه يكون مردوداً، وكذلك الثقة إذا خولف ممن هو أولى منه، فالحاصل أن الفارق الحقيقي بين الثقة والصدوق يتمثل في قبول تفرد الأول مطلقاً إلا عند المخالفة، وقبول تفرد الثاني إذا كان تفرده محتملاً، والتوقف في تفرده إذا كان غير محتمل.

2 - أن هذا مذهب كثير من كبار النقاد الذين نحتج بأقوالهم المجملة في الجرح والتعديل، فالعمل به يؤدي إلى أن الخلاف مع كبار النقاد يصبح نادراً خاصة في أحكامهم النقدية على الأسانيد والأحاديث، لا كما يُشاهد من كثرة التعارض بين المتأخرين والمتقدمين، مما يعني أن العمل به يؤدي إلى اتساق المنهج العلمي وتماسكه بصورة أفضل.

ومما يؤكد قدِم هذا المذهب وأصالته أن إمام النقاد وأميرهم الحافظ المتقن الثبت شعبة بن الحجاج لما سمع من عبدالله بن دينار حديث (النهي عن بيع الولاء) [20] قال: (استحلفتُ عبدالله بن دينار هل سمعته من ابن عمر، فحلف لي) وقال أبو حاتم الرازي معلقاً على ذلك: (كان شعبة بصيراً بالحديث جداً، فهماً فيه، كان إنما حَلَّفه لأنه كان يُنكر هذا الحديث، حكمٌ من الأحكام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشاركه أحد، لم يروه عن ابن عمر أحد سواه علمنا) [21].

تقدم أن شعبة كان يهاب من تفرد إسماعيل بن رجاء بحديث فيه حكم من الأحكام [22]، مما يدل على أنه لم يكن يتعامل مع بعض التفردات بحسن ظن ويقبلها مطلقاً كما يفعل كثير من المتأخرين.

3 - أليس من الوجاهة إذا رأينا تفرداً لراوٍ (صدوق) عن شيخ له أصحاب كثر وتلامذة ملازمون له؛ أن نتساءل: أين كان الحفاظ عن ذلك الحديث حتى يتفرد به ذاك الرواي؟

وقد لهج بذلك كبار الأئمة في العديد من الأحاديث كقول الإمام مالك منكراً على عبدالرحمن ابن أبي الزناد لما حدث عن أبيه بكتاب (الفقهاء السبعة): (أين كنا نحن من هذا؟!) [23].

وكقول شعبة: (لم يجيء بالرخصة في نبيذ الجر: ابنُ عمر وابن عباس اللذان بحثا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن جاء به ابن بريدة من خراسان!!) [24].

وكقول ابن معين: (لو كان هذا هكذا؛ لحدَّث به الناس جميعاً عن سفيان ولكنه حديث منكر) [25] وهذا في حق حديث تفرد به يحيى بن آدم وهو من الثقات عن الثوري.

وكقول الإمام أحمد: (أصحاب أبي هريرة المعروفون ليس هذا عندهم) [26].

وكقول أبي حاتم الرازي: (أين كان الثوري وشعبة عن هذا الحديث؟) [27].

وكقوله: (أين أصحاب أيمن بن نابل عن هذا الحديث؟) [28].

وكقوله: (وقد روى عن سهيل -بن أبي صالح- جماعة كثيرة، ليس عند أحدٍ منهم هذا الحديث ... لا أدري لهذا الحديث أصلاً عن أبي هريرة أعتبر به، وهذا أصل من الأصول لم يُتابع عليه ربيعة) [29].

وكقوله: (فلو أن هذا الحديث عن الحُر - بن الصيَّاح- كان أول ما يُسأل عنه، فأين كان هؤلاء الحفاظ عنه؟) [30] أي وإذا سئل عنه انتشر وتعددت رواته.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير