تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال السخاوي في (فتح المغيث) (3/ 249 - 250): (ومن فوائده اعتناء الراوي بطرق الحديث وشواهده ومتابعه وعاضده، بحيث بها يتقوى، ويثبت لأجلها حكمه بالصحة أو غيرها، ولا يتروّى [كذا]؛ ويُرتّب عليها إظهار الخفي من العلل، ويهذب اللفظ من الخطأ والزلل، ويتضح ما لعله يكون غامضاً في بعض الروايات، ويفصح بتعيين ما أُبهم أو أُهمل أو أدرج، فيصير من الجليات، وحرصه على ضبط غريب المتن والسند، وفحصه عن المعاني التي فيها نشاط النفس بأتم مستنَد، وبعد السماع فيها عن الخطأ والتصحيف، الذي قلَّ أن يعرى عنه لبيب أو حصيف (1)، وزيادة التفهم والتفهيم لكل من حضر، من أجل تكرر المراجعة في تضاعيف الإملاء والكتابة والمقابلة على الوجه المعتبر، وحوز فضيلتي التبليغ والكتابة، والفوز بغير ذلك من الفوائد المستطابة، كما قرَّره الرافعي وبيّنه، ونشَره وعيّنه.

يقال: أمليت الكتاب إملاء، وأمللت إملالاً، جاء القرآن بهما جميعاً قال تعالى: {فليملل وليه} (2)، فهذا من "أملَّ "، وقال تعالى: {فهي تملى عليه} (3)، فهذا من "أملى"؛ فيجوز أن تكون اللغتان بمعنى واحد، ويجوز أن يكون أصل أمليت "أمللت"، فاستثقل الجمع بين حرفين في لفظ واحد فأبدلوا من أحدهما ياء، كما قالوا: تظنيت (4)، يعني حيث أبدلوا من إحدى النونين ياء، فقالوا: التظني، وهو إعمال الظن (5).


(1) هو العاقل الحكيم الفطن.
(2) سورة البقرة (284).
(3) سورة الفرقان (5).
(4) أثبت الشيخ علي حسين علي في مطبوعته (تظننت)، وأشار في الهامش إلى أن في بعض النسخ (تظنيت)، قلت: ولعله الصواب، والظاهر أنه مقتضى سياق السخاوي وإيراده لهذا التشبيه، فتأملْه.
(5) قال ابن قتيبة في (أدب الكاتب) (ص376): (باب إبدال الياء من أحد الحرفين المثلثين إذا اجتمعا:
"تظنيت" من الظن، وأصله تظننت، قال العجاج:
تَقَضِّيَ البازي إذا البازي كسر
أراد تقضض.
وقال الله عز وجل: {وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية} [الأنفال 35]، قال أبو عبيدة: المكاء: الصفير، والتصدية: التصفيق ورفع الأصوات، وأصله من صَدَدْتُ أَصِدُّ، ومنه قول الله عز وجل {إذا قومك منه يصدون} [الزخرف 57]، أي يضِجّون ويَعِجّون، فجعل إحدى الدالين ياء.
و"لبَّيْكَ" هو من "ألبَّ بالمكان"، إذا أقام به، فأبدل من إحدى الباءين ياء.
قال أبو عبيدة: "دسّاها" من "دسَّسْتُ"، وتمطى أصله تمطَّط، أي مد يده، ومنه المِشْية المُطَيطاء، وهي التبختر.
أمللْتُ الكتابَ وأمليته، قال الله جل ثناؤه: {فليملل وليه بالعدل} [البقرة 282]، وقال في موضع آخر: {فهي تملى عليه بكرة وأصيلا} [الفرقان 5].
وقال ضياء الدين ابن الأثير في (المثل السائر) (1/ 291): (واعلم أن العرب الذين هم الأصل في هذه اللغة قد عدلوا عن تكرير الحروف في كثير من كلامهم، وذاك أنه إذا تكرر الحرف عندهم أدغموه استحساناً، فقالوا في "جعلَ لَك": "جعلَّك"، وفي "تضربونَني": تضربونِّي؛ وكذلك قالوا: استعد فلان للأمر"، إذا تأهب له، والأصل فيه "استعدَدَ"، و"استتبَّ الأمرُ"، إذا تهيأ، والأصل فيه "استتْبَبَ"، وأشباه ذلك كثير في كلامهم، حتى أنهم لشدة كراهتهم لتكرير الحروف أبدلوا أحد الحرفين المكررين حرفاً آخر غيره، فقالوا: "أمليت الكتاب"، والأصل فيه "أمللْتُ"، فأبدلوا اللام ياءً، طلباً للخفة وفراراً مِن الثقل)؛ ثم قال: (وإذا كانوا قد فعلوا ذلك في اللفظة الواحدة، فما ظنك بالألفاظ الكثيرة التي يتْبع بعضُها بعضاً؟)؛ وانظر ما تعقب به بعضَ كلامه صاحبُ (صبح الأعشى) (2/ 294 فما بعدها).

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير