هل كان الإمام مسلم يقدم في الترتيب المتون المعللة خلافاً لطريقته في الأسانيد؟
ـ[محمد خلف سلامة]ــــــــ[20 - 11 - 07, 04:23 م]ـ
لا شك أن صفة ترتيب أحاديث الصحيحين فيما بينها ضمن الباب الواحد: أمرٌ مقصودٌ لصاحبيهما، ومعنى له دلالات تحتاج في استكشافها وسبر أغوارها: إلى علماء متبحرين، من ذوي الفطنة الثاقبة والمعرفة الواسعة جداً بالأحاديث وعللها ورواتها.
ولا شك أنَّ من غفل عن ملاحظة هذه الدلالات بالكلية فلا بد أنه سيقع في انتقاد صاحبي الصحيحين في مواضع إبداعهما ويعيب عليهما أموراً هي بعض أمثلة إحسانهما وإتقانهما وتفوقهما في هذين الكتابين العظيمين.
قال المعلمي اليماني في (الأنوار الكاشفة): (فإن قال: ولكن مصححي الأحاديث لم يراعوا ذلك [يعني المعنى].
قلت: أما المتثبتون كالبخاري ومسلم فقد راعوا ذلك؛ بلى، في كل منهما أحاديث يسيرة انتقدها بعض الحفاظ أو ينتقدها بعض الناس؛ ومرجع ذلك إما إلى اختلاف النظر، وإما إلى اصطلاح لهما يغفل عنه المنتقِد، وإما إلى الخطأ الذي لا ينجو منه بشر، وقد انُتقدت عليهما أحاديث من جهة السند، فهل يقال لأجل ذلك: إنهما لم يراعيا هذا أيضاً؟! انتهى.
وموضع الشاهد منه قوله (وإما إلى اصطلاح لهما يغفل عنه المنتقد) والظاهر أنه يشير إلى الدلالات وإلإشارات المأخوذة من طريقتهما في كيفية ترتيب وسياقة الأحاديث وطرقها في الباب الواحد من أبواب كتابيهما.
وهذه كلمة أنقلها لعل فيها إضاءة لزاوية من زوايا معاني ترتيب أحاديث صحيح مسلم ومفتاحاً لمدارسة نافعة في هذا الباب، ومن الله التوفيق.
قال محمد عوامة في مقدمته لتحقيق (مصنف ابن أبي شيبة) (1/ 102 - 107) تحت هذا العنوان (من منهج الإمام مسلم في عرض الحديث المعلل في صحيحه) بعد كلام له متعلق بمنهج ابن حبان ما نصه:
(وأُتبع هذا البيان لفهمي مذهبَ ابن حبان في معرفة من هو الثقة بياناً آخر كنت أشير إليه كثيراً هنا في التعليق على (المصنف)، وفي التعليق على (الكاشف) بعبارة غامضة أقول فيها – مثلاً -: وهذا يتعلق بطريقة عرض الإمام مسلم لروايات الحديث الواحد، أشير إلى أن للإمام طريقة خاصة يعرض بها روايات الحديث الواحد، حين اختلاف طرقه أو ألفاظه؛ ولو وقفت على كلام لبعض الأئمة شرح فيه ما أريده لأحلتُ القولَ عليه، لكني لم أجد ذلك، إنما كتب بعض المعاصرين ما يَقْرُب منها، وكنت عزمت على بيان طريقته في دراسات (الكاشف) فلم يتيسر؛ وهذا هو البيان – بعون الله تعالى وتوفيقه – لخصوص هذه الجزئية.
قال الإمام مسلم رحمه الله في مقدمة (صحيحه) (1):
(إِنَّا نَعْمِدُ إلى جُمْلَةِ ما أُسْنِدَ من الْأَخْبَارِ عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَقْسِمُهَا على ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ وَثَلاثِ طَبَقَاتٍ من الناس ... ؛ فَأَمَّا الْقِسْمُ الأَوَّلُ: فَإِنَّا نَتَوخَّى أَنْ نُقَدِّمَ الأَخْبَارَ التي هِيَ أَسْلَمُ من الْعُيُوبِ من غَيْرِهَا وَأَنْقَى، من أَنْ يَكُونَ نَاقِلُوهَا أَهْلَ اسْتِقَامَةٍ في الحديث وَإِتْقَانٍ لِمَا نَقَلُوا، لم يُوجَدْ في رِوَايَتِهِمْ اخْتِلافٌ شَدِيدٌ ولا تَخْلِيطٌ فَاحِشٌ.
فإذا نَحْنُ تَقَصَّيْنَا أَخْبَارَ هذا الصِّنْفِ من الناس أَتْبَعْنَاهَا أَخْبَارًا يَقَعُ في أَسَانِيدِهَا بَعْضُ من ليس بِالْمَوْصُوفِ بِالْحِفْظِ وَالإِتْقَانِ، كَالصِّنْفِ الْمُقَدَّمِ قَبْلَهُمْ، على أَنَّهُمْ، وَإِنْ كَانُوا فِيمَا وَصَفْنَا دُونَهُمْ، فإنَّ اسْمَ السَّتْرِ وَالصِّدْقِ وَتَعَاطِي الْعِلْمِ يَشْمَلُهُمْ ... فَعَلَى نَحْوِ ما ذَكَرْنَا من الْوُجُوهِ نُؤَلِّفُ ما سَأَلْتَ من الأَخْبَارِ عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
¥