تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[مشروعية الاجتهاد في الحديث]

ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[13 - 08 - 07, 06:26 م]ـ

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد: فهذا مبحث من مباحث كتابي المنهج السوي في تخريج الحديث النبوي، أقدمه لقراء هذا الموقع لينظروا فيه بغية الإفادة والاستفادة. وذلك أني جعلت آخر فصل فيه للحكم على الحديث ورتبت الحديث فيه في ثلاثة مباحث، الأول: في الرجوع إلى كتب العلل، والثاني في الرجوع إلى كتب التخريج التي صنف المتأخرون، والثالث: خصصته لبيان مشروع الاجتهاد في الحديث وضوابطه، وقد قسمت هذا الأخير إلى مطلبين هذا بيانهما.

المطلب الأول: هل غلق ابن الصلاح باب الاجتهاد في الحديث

الاجتهاد في الحديث متفق على مشروعيته بين العلماء لمن تمكن منه معرفة بقواعد التصحيح والتعليل، وفهما لاصطلاحات أهل الفن، ودراية بعلم الجرح والتعديل، ولا يختلف ذلك باختلاف الأزمنة والأعصار، ومن خالف في ذلك من أهل التقليد فلا عبرة بقوله، وفتواه تصلح لأمثاله ممن لم تتحقق فيه شروط النظر والاجتهاد …لكن قد اشتهر عند المتأخرين أن ابن الصلاح رحمه الله تعالى قد سد باب الاجتهاد في الحديث، وقد اختلف في فهم كلامه وفي ما يلي بيان الخلاف ووجه الصواب فيه إن شاء الله تعالى.

الفرع الأول: نص ابن الصلاح واختلاف العلماء في فهمه

قال رحمه الله تعالى:» إذا وجدنا فيما يروى من أجزاء الحديث وغيرها حديثا صحيح الإسناد، ولم نجده في أحد الصحيحين ولا منصوصا على صحته في شيء من مصنفات أئمة الحديث المعتمدة المشهورة، فإنا لا نتجاسر على جزم الحكم بصحته.

فقد تعذر في هذه الأعصار الاستقلال بإدراك الصحيح بمجرد اعتبار الأسانيد، لأنه ما من إسناد من ذلك إلا وتجد من اعتمد في روايته على ما ذكر في كتابه عريا عما يشترط في الصحيح من الحفظ والإتقان فآل الأمر في معرفة الصحيح والحسن إلى الاعتماد على ما نص عليه أئمة الحديث في تصانيفهم المعتمدة المشهورة التي يؤمن فيها لشهرتها من التغيير والتحريف.

وصار معظم المقصود بما يتداول من الأسانيد خارجا عن ذلك إبقاء لسلسلة الإسناد التي خصت بها هذه الأمة زادها الله شرفا «(1).

الفقرة الأولى: الفهم الأول وهو المشهور

أول من اختصر المقدمة الإمام النووي رحمه الله تعالى تعقب ابن الصلاح بكلام قد فهم منه أن ابن الصلاح قد سد باب التصحيح حيث قال:» وهذا الذي ذكره الشيخ فيه احتمال ظاهر، وينبغي أن يجوز التصحيح لمن تمكن في معرفة ذلك، ولا فرق في إدراك ذلك بين أهل الأعصار بل معرفته في هذه الأعصار أمكن لتيسر طرقه «(2)، فتبعه على ذلك من جاء بعده كابن كثير والعراقي وابن الملقن والبلقيني وابن حجر ومن بعده (3). وساند هذا الفهم بعض العبارات الصادرة منه رحمه الله تعالى كقوله:» ولم نجده في أحد الصحيحين ولا منصوصا على صحته في شيء من مصنفات أئمة الحديث المشهورة فإنا لا نتجاسر على جزم الحكم بصحته «.

الفقرة الثانية: الفهم الثاني وهو الصحيح

أما المعنى الصحيح لكلامه والله تعالى أعلم أن الاعتماد في معرفة الصحيح والحسن إنما هو على المصنفات المشهورة المعتمدة التي ألفت في عصور الرواية، وأما ما وجد في الأجزاء المصنفة في الأزمنة المتأخرة بالأسانيد النازلة فلا يحكم له بالصحة وإن كان ظاهره كذلك، وذلك لما عرف عن المتأخرين من التساهل في التحمل والأداء. وممن صرح بهذا المعنى ابن جماعة الذي قال مؤيدا كلام ابن الصلاح:» مع غلبة الظن أنه لو صح لما أهمله أئمة الأعصار المتقدمة «(4). وقال أيضا:» ليس المقصود بالسند إلى عصرنا إثبات الحديث المروي وتصحيحه، إذ ليس يخلو فيه سند عمن لا يضبط حفظه وكتابه ضبطا لا يعتمد عليه فيه بل المقصود إبقاء سلسلة الإسناد المخصوص بهذه الأمة فيما نعلم، وقد كفانا السلف مؤونة ذلك «(5). وكذلك هو الفهم الذي فهمه السيوطي ووافقه في خصوص الحديث الذي ليس له إلا إسناد واحد وذهب إلى جواز تصحيح الأحاديث التي تعددت طرقها، وذلك في رسالة سماها التنقيح لمسألة التصحيح، قال رحمه الله تعالى:» وأما الأزمان المتأخرة فقد طالت فيها الأسانيد فتعذر الوقوف على العلل إلا بالنقل عن الكتب المصنفة في العلل، فإذا وجد إنسان في جزء من الأجزاء حديثا بسند واحد ظاهره الصحة لاتصاله وثقة رجاله لم يمكن الحكم بالصحة لذاته، لاحتمال

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير