ـ هل يشترط للحكم بالشّذوذ اتّحاد المخرج؟ وما معنى ذلك وهل من نماذج توضيحية من تطبيقات
ـ[أبو عبد الله الزاوي]ــــــــ[07 - 09 - 07, 06:36 م]ـ
ـ هل يشترط للحكم بالشّذوذ اتّحاد المخرج؟ وما معنى ذلك وهل من نماذج توضيحية من تطبيقات العلماء وجزاكم الله خيراً.
ـ[أبو المعالي القنيطري]ــــــــ[24 - 12 - 07, 08:03 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هذه بعض التوضيحات حول الحديث الشاذ بما يبين مراده.
الشاذ: هو ما رواه ثقة مخالفا لرواية الثقات.
وهو نوع من أنواع علوم الحديث، وهو من أهمها؛ لأن الشذوذ نوع من أنواع إعلال الحديث؛ لأن له تعلقا بعلة الحديث، لكن العلماء يهتمون به؛ لأن فيه مخالفة بين الثقات.
الشاذ: هو أن يروي الثقة ما يخالف فيه الثقات. قولنا هنا: الثقة. نعني به: من يقبل حديثه سواء كان ثقة أو صدوقا. يعني: راوي الحديث الحسن، أو راوي الحديث الضعيف. وقوله: ما يخالف الثقات. يعني: إذا روى الثقة حديثا خالف فيه جمعا من الثقات، فإننا نحكم على حديثه بأنه شاذ.
أما قولنا: "وخالف فيه الثقات". لا نقصد أنه لا بد أن يكون المخالف قد خالف عددا، ولكن إذا خالف من هو أحفظ منه، أو أكثر عددا مع الضبط، فإنه يسمى حديثه حديثا شاذا؛ ولهذا يعبَر عنه بأنه: ما رواه الثقة مخالفا من هو أوثق منه، يعني: أوثق منه عددا، أو أوثق منه حفظا؛ لأن الراوي قد يخالف غيره، لكن هذا الغير يكون واحدا، وهذا واحد مقابل واحد، فيختلفان في الحديث، أحدهما قد يكون أضبط وأحفظ، فنقدم رواية الأحفظ على رواية الذي هو أدنى منه.
ذكروا مثلا سفيان بن عيينة: إذا روى حديثا عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس، من المعلوم أن سفيان بن عيينة أضبط الناس في عمرو بن دينار، فإذا روى الحديث ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر، هنا وقع شذوذ من ابن جريج، ابن جريج ثقة، وسفيان بن عيينة ثقة، لكن ابن جريج خالف سفيان ابن عيينة، ابن جريج ثقة، وخالف من هو أوثق منه في عمرو بن دينار، وهو سفيان بن عيينة، فسفيان بن عيينة يقول: عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس. وابن جريج يقول: عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر. فهذا خلاف؛ لأن سفيان ابن عيينة جعل راوي الحديث ابن عباس، ووابن جريج جعله ابن عمر، فمثل رواية ابن جريج هذه تسمى "رواية شاذة" لأن ابن جريج ثقة وخالف من هو أوثق منه، وهو سفيان بن عيينة، فنقضي على حديثه بأنه حديث شاذ.
والشاذ نوع من أنواع الضعف، نوع من أنواع الضعف المتعلقة بالضبط؛ لأن راوي الحديث الشاذ وإن كان ثقة، لكنه في خصوص ذلك الحديث لم يضبطه؛ فلهذا وقعت منه المخالفة، أحيانا يخالف من هو أكثر منه عددا، إذا جاء في المثال السابق سفيان بن عيينة، وروى الحديث عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس، وخالفه جماعة كثير: خالفه الثوري، وابن جريج، والأوزاعي، ومعمر، فرووه عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر، نقول هنا: رواية ابن عيينة شاذة؛ لأنه وإن كان ثقة، إلا إنه خالف من هو أكثر منه عددًا، لكن لا بد أن يكون هذا العدد الأكثر -لا بد أن يكون- عندهم حفظ، أما إذا كانوا ضعفاء، فإن روايتهم لا ترجح على رواية الثقات، فمثل هؤلاء إذا جاءوا، مثل: الثوري والأوزاعي وابن جريج، فرووا حديثا، نسمي حديث سفيان حينئذ شاذا؛ لأنه خالف من هو أكثر من عددا مع اتصافهم بالحفظ، فهنا ليس واحد مقابلا للواحد، وإنما هو واحد مقابل للجماعة، هذا هو معنى الحديث الشاذ.
وبعد ذلك نقول: إن الشاذ يقابله المحفوظ، الرواية المرجوحة تسمى رواية شاذة، والرواية الأخرى تسمى رواية محفوظة، فعندنا لما اختلف ابن عيينة مع ابن جريج، ورجحنا رواية ابن عيينة، نسمي رواية ابن عيينة الرواية المحفوظة، أو الحديث المحفوظ، ونسمي رواية ابن جريج الرواية الشاذة، ولما رجحنا رواية الأكثر على رواية ابن عيينة، نسمي رواية الأكثر هي المحفوظة، ورواية ابن عيينة هي الشاذة، فالشاذ يكون مقابلا للمحفوظ. والله تعالى أعلم.
ـ[الطيّار]ــــــــ[28 - 12 - 07, 02:58 م]ـ
جزاك الله خيراً يا أبا المعالي، وبارك فيك،،،،،،
لكن هذا المنهج الذي ذكرته والطريقة التي يفرق فيها بين الشاذ والمحفوظ، هل هي على منهج المتقدمين أم منهج المتأخرين،،،،،،،،،،،
ـ[أبو المعالي القنيطري]ــــــــ[29 - 12 - 07, 12:06 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه يا أخي ـ حفظك الله ورعاك وثبت خطاك ـ على منهج المتأخرين والمعاصرين وجرى العمل بها عند كثير من المتقدمين كالشافعي وابن أبي حاتم والليث وأبي زرعة وغيرهم كذلك، ومن المتأخرين، الإمام النووي رحمه الله تعالى في كتابه التقريب وابن الصلاح، والسيوطي رحمه الله تعالى في شرحه عليه (أي على التقريب) وهو المسمى بتدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، وابن حجر، وغيرهم من أئمة الحديث، وهذا الذي نعمل به ويعمل به المعاصرون.
قلت: قد عمل كثير من أئمة الحديث بغير هذه الطريقة وبمذاهب أخرى، وذلك حسب تعريفهم للحديث الشاذ، وإلا فإن كثيرا منهم خلط بين الشاذ والمنكر واعتبره واحدا، ومنهم من اعتبر الحديث المفرد الذي ليس له إلا إسناد واحد جعله شاذا أيضا، وهكذا حسب تعاريفهم لمصطلح الشاذ، وقد اختلف المحدثون المتقدمون والمعاصرون على ثلاثة من هذه المذاهب التي ذكرت:
1 - أن الشاذ هو تفرد الثقة مطلقا. وممن عمل به من المتقدمين (الحاكم، وغيره).
2 - هو تفرد الراوي مطلقا. (قلت: فيدخل فيه الراوي الثقة، والراوي الضعيف وغيرهما). وهو ظاهر قول أبي يعلى الخليلي وابن رجب وغيرهما.
3 - وهو الذي ذكرت في الموضوع السابق، وهو الراجح والجاري به العمل لا بغيره وهو ظاهر أقوال المحدثين وأغلبها، هو مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه أو أكثر منه عددا. والله أعلم.
¥