[ما رأي طلبة العلم بما جاء في كتب المصطلح أن من دلائل وضع الحديث أن يخالف العقل؟]
ـ[عبد الباسط بن يوسف الغريب]ــــــــ[12 - 08 - 07, 07:33 م]ـ
[ما رأي طلبة العلم بما جاء في كتب المصطلح أن من دلائل وضع الحديث أن يخالف العقل؟]
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فقد وقفت لبعض الطاعنين في سنة النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة وردها بالعقل الاستدلال بما جاء في كتب مصطلح الحديث أن من دلائل وضع الحديث أن يخالف العقل , فهل هذه القاعدة صحيحة على إطلاقها أم أن لها ضابطا؟
إليكم ما وقفت عليه أعرضه عليكم طالبا الاستزادة أو التنبيه.
أولا: أول من نقل هذه القاعدة أن من علامة الوضع في الحديث أن يخالف العقل الخطيب البغدادي في كتابه الكفاية نقلا عن الباقلاني.
قال الصنعاني في كتابه توضيح الأفكار (2
96)
وقد حكى الخطيب هذا في أول كتابه الكفاية تبعا للقاضي أبي بكر الباقلاني وأقره فإنه قسم الأخبار إلى ثلاثة أقسام ما تعرف صحته وما يعلم فساده وما يتردد بينهما ومثل الثاني بما يدفع العقل صحته بموضوعها والأدلة المنصوصة فيها نحو الأخبار عن قدم الأجسام وما أشبه ذلك ويلحق به ما يدفعه الحس والمشاهدة كالخبر بالجمع بين الضدين كقول الإنسان أنا الآن طائر في الهواء ومكة لا وجود لها.
قلت:نص كلامه في الكفاية (17)
والباقلاني هو القاضي أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بان جعفر قاسم البصري، ثم البغدادي، ابن الباقلاني،كان من أهل البصرة، وسكن بغداد، وقد كانت وفاته سنة 403 هـ
وهو من أئمة الأشاعرة المؤصلين لمذهبهم ومن قواعدهم تقديم العقل على النقل عند تعارضه معه وهذه القاعدة مسلمة عندهم وقانون عام يلجئون إليه.
ثانيا: تتابع العلماء على ذكر هذه القاعدة التي نقلها الخطيب البغدادي عن الباقلاني المتكلم
فقد أقرها ابن الملقن في كتابه المقنع (1
235)
وابن حجر في النكت (2
267)
والسخاوي في فتح المغيث (1
268) ونقله عن ابن الجوزي
قال:وكأن يكون مخالفا للعقل ضرورة أو استدلالا ولا يقبل تأويلا بحال نحو الإخبارعن الجمع بين الضدين وعن نفي الصانع وقدم الأجسام وما أشبه ذلك لأنه لا يجوز أن يرد الشرع بما ينافي مقتضى العقل
قال ابن الجوزي وكل حديث رأيته يخالفه العقول أو يناقض الأصول فاعلم أنه موضوع فلا يتكلف اعتباره أي لا تعتبر رواته ولا تنظر في مجرحهم.
قلت: ونص عبارة ابن الجوزي في كتابه الموضوعات (1
106).
والسيوطي في تدريب الراوي (1
276)
التعليق على هذه القاعدة
1 - تبين أن أصل ذكر هذه القاعدة من علماء الكلام الذين عارضوا الوحي بالعقل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله –: ويكفيك دليلاً على فساد قول هؤلاء أنه ليس لواحد منهم قاعدة مستمرة فيما يحيله العقل، بل منهم من يزعم أن العقل جوز وأوجب ما يدعى الآخر أن العقل أحاله.
فيا ليت شعرى، بأى عقل يوزن الكتاب والسنة! فرضي الله عن الإمام مالك بن أنس حيث قال: أو كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما جاء به جبريل إلى محمد r لجدل هؤلاء.
مجموع الفتاوى (5/ 29)
وقد بين رحمه الله إن الذي دعاهم إلى ذلك ظنهم أن المعقول يناقض ما أخبر به الرسول e، أو ظاهر ما أخبر به الرسول، وبين أن العقل لا يناقض السمع، وأن ما ناقضه فهو فاسد، وبين أن العقل موافق لما جاء به الرسول e، شاهد له، ومصدق له، لا يقال: إنه غير معارض فقط، بل هو موافق مصدق، فأولئك كانوا يقولون هو مكذب مناقض فبين أولاً أنه لا يكذب ولا يناقض ثم بين ثانياً أنه مصدق موافق.
وقد ألف في ذلك كتابه الكبير درء التعارض العقل والنقل وقال فيه:» ولما كان بيان مراد الرسول e في هذه الأبواب لا يتم إلا بدفع المعارض العقلي، وامتناع تقديم ذلك على نصوص الأنبياء، بينا في هذا الكتاب فساد القانون الفاسد الذي صدوا به الناس عن سبيل الله وعن فهم مراد الرسول، وتصديقه فيما أخبر، إذ كان أي دليل أقيم على بيان مراد الرسول لا ينفع إذا قدر أن المعارض العقلي القاطع ناقضه، بل يصير ذلك قدحاً في الرسول، وقدحاً فيمن استدل بكلامه، وصار هذا بمنزلة المريض الذي به أخلاط فاسدة تمنع انتفاعه بالغذاء، فإن الغذاء لا ينفعه مع وجود الأخلاط الفاسدة التي تفسد الغذاء، فكذلك القلب الذي اعتقد قيام الدليل العقلي
¥