تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلت: كلا ليس هذا حقا بل هو عين الباطل، والمقطوع به عند أي عاقل ما علم تواتره، وآحاد هذه القراءات مقطوع بتواترها كل على حده، وتشبثه بالاختلاف بين القراءات جهل مفضوح وجوابه سهل جدا فالاختلاف بين أئمة القراءة في ألفاظ القراءة راجع كما تقدم إلى تنوع المعنى وتشعيبه وإبراز معناه في صورة أجل وأوضح ليس اختلاف تناف وتضاد وتناقض فإن هذا لا يكون أبدا في كتاب الله (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) فالاختلاف المثبت بين السبعة أحرف معناه التنويع في طرق أداء القرآن والنطق بألفاظه في دائرة محدودة لا تعدو سبعة أحرف وبشرط التلقي فيها كلها عن النبي صلى الله عليه وسلم أما التناقض والتضاد والتدافع بين معاني القرآن وتعاليمه فمحال قطعا.

قال القرطبي: وقد سوغ كل واحد من القراء السبعة قراءة الآخر وأجازها ..... وقد أجمع المسلمون في هذه الأمصار على الاعتماد على ما صح عن هؤلاء الأئمة فيما رووه ورأوه من القراءات، وكتبوا في ذلك مصنفات واستمر الإجماع على الصواب وحصل ما وعد الله به من حفظ الكتاب ().

إن القرآن المجيد قد وصل إلينا من خلال هذه الروايات المشهورة المعروفة المتواترة تواترا قطعيا موجبا للعلم والمنقولة بالأسانيد الصحيحة برواية الثقاة العدول والعلماء الفحول طبقة بعد طبقة وخلفا عن سلف عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن جبريل عن رب العزة جل وعلا. وتقدم أن هذه القراءات السبع التي في أيدي الناس إنما هي حرف واحد من الأحرف السبعة، وهو حرف زيد بن ثابت الذي جمع عثمان بن عفان – رضي الله عنه – الناس عليه

قال الإمام أبو العباس المهدوي رحمه الله- ما ملخصه: ثبت أن القراءات التي نقرؤها بعض من الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن، إذ ليس بواجب علينا القراءة بجميع الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن، وإذ قد أباح النبي عليه السلام لنا القراءة ببعضها دون بعض لقوله عزوجل: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْءَانِ"} [المزمل: 20] فصارت هذه القراءات المستعملة في وقتنا هذا هي التي تيسرت لنا بسبب ما رآه سلف الأمة من جمع الناس على هذا المصحف؛ لقطع ما وقع بين الناس من الاختلاف وتكفير بعضهم لبعض) () ا هـ.

قال الحافظ ابن عبد البر – رحمه الله - وقال: (وقد أجمع الصحابة، ومن بعدهم على حرف واحد من السبعة الأحرف التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنزل القرآن عليها، ومنعوا ما عدا مصحف عثمان منها، وانعقد الإجماع على ذلك، فلزمت الحجة به، لقول الله عزوجل: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ... } وقال ابن مسعود: ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله عزوجل حسن ()، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي} ()) ().

وقال البغوي في ((شرح السنة)): ((المصحف الذي استقر عليه الأمر هو آخر العرض على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأمر عثمان - رضي الله عنه - بنسخه في المصاحف، وجمع الناس عليه، وأذهب ما سوى ذلك؛ قطعاً لمادة الخلاف، فصار ما يخالف خط المصحف في حكم المنسوخ، والمرفوع، كسائر ما نسخ، ورفع، فليس لأحد أن يعدو في اللفظ إلى ما هو خارج عن الرسم)) ().

وإننا نعني بتواترها تواتر كل قراءة منها على حدة فالشأن فيما كان هذا وصفه الاعتداد به قرآنا وأخذه حكمه وصحة القراءة والصلاة به، وتكفير منكره ولو حرفا منه؛ لتواتره وإجماع الأمة عليه بلا نكير من أحد منهم. ولا ضير في اختلافهم في نحو (مالك، وملك) و (يخادعون، يخدعون) ونحوهما، فإن القرآن قد نزل بهذا كله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير