ولم يقل أحد من أهل العلم جازما أن هذا الحساب من كلام العرب أبدا، اللهم إلا ما نقل عن سيبويه حيث جعل نصفها الأول عربيا والآخر أعجميا، وليس ذلك مما يفرح به، وليس كما يظنه البعض، بل قصد سيبويه أنها مما يفهم في كلام العرب، لا أن أصل وضعها عربي، فهو يقر بأنها أعجمية لا شك في ذلك، ولكنه عنى بقوله ذاك أنها مما تفهمه العرب وأن ذلك جاء على نسق كلام العرب، قال السيوطي في المزهر: قال أبو سعيد السِّيرافي: فصَّل سيبويه بين أبي جاد وهوَّز وحطي؛ فجعلهن عربيات، وبين البواقي فجعلهن أعجميات، وكان أبو العباس يجيز أن يكون كلهن أعجميات، وقال من يحتج لسيبويه: جعلهن عربيات لأنهن مفهومات المعاني في كلام العرب، وقد جرى أبو جاد على لفظ لا يجوز أن يكون إلاّ عربياً تقول: هذا أبو جاد، ورأيت أبا جاد، وعجبت من أبي جاد، قال أبو سعيد: ولا تبعد فيها العجمة، لأن هذه الحروف عليها يقع تعليم الخط بالسرياني وهي معارف. وقال المسعودي في تاريخه: قد كان عدة أمم تفرقوا في ممالك متصلة، منهم المسمى بأبي جاد وهوَّز وحطي وكلمن وسعفص، وقرشيات، وهم بنو المحصن بن جندل بن يصعب بن مدين بن إبراهيم الخليل عليه السلام.
وأحرف الجُمَّل هي أسماء هؤلاء الملوك وهي الأربعة والعشرون حرفاً التي عليها حساب الجُمَّل، وقد قيل في هذه الحروف غير ذلك ...
ثم إذا كان عربيا 100% فهل استعمله العرب في تفسير كلامهم؟ لم يستعملوه في تفسير كلامهم أبدا.
ثم إن من شروط فصاحة الكلام وبلاغته عندهم أن يكون واضح المعنى، بعيدا عن التعقيد والتعمية التي لا يفهما أحد من أهل العربية، فهل هذا القرآن الذي أنزل بلسان عربي مبين فيه من التعمية ما لا يستطيع أهل هذا اللسان الذين عايشوا نزوله أن يشعروا به، ويشعر به من لم يتحقق من لسانهم؟!!!
وإذا كانت عربية 100% فهل علمت أن هذه الحروف (حساب الجمل) مختلف فيها بين المغاربة والمشارقة؟
فهي عند المشارقة هكذا:
أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ.
وأما عند المغاربة فهي هكذا:
أبجد هوز حطي كلمن صعفض قرست ثخذ ظغش.
فأيهما ستستعمل؟ وما هو الدليل الذي يدفعك لتقديم أحدهما؟ أهو التحكم والهوى، أم أنك لا تدري؟!!!
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
وأخيرا: إذا بانت أنها من موروثات اليهود، أو أنها على أقل التقديرات من الأمور التي لم يستعملها العرب في فهم المعاني، ولم يلتفتوا إليها، بل أكثر شهرتها عن المنجمين والمشعوذين كما نص عليه غير واحد كالخوارزمي مثلا في مفاتيح العلوم، وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم، فهل يصح بعد ذلك أن أقحمها في تفسير كلام الله؟!! وهل يصح أن يجعل كلام الله تعالى رموزا مستغلقة لا يفهمها أحد من أهل القرون الفاضلة؟!! معاذ الله.
(تنبيه:كل كلامي السابق حول حساب الجمل في تفسير الآيات، وكشف المغيبات بهذا الحساب، أما استعمال هذا الحساب في التاريخ والعد ونحوه فلا بأس به، لكن المحذور شيئان: إدخاله في تفسير كلام الله تعالى، واكتشاف الأمور الغيبية بهذا الحساب، فليتنبه)
ج ـ أن السلف رحمهم الله تعالى قد عدوا السور والآيات بل عدوا حروفه وكلماته، فكلماته: سبع وسبعون ألف كلمة وأربعمائة وسبع وثلاثون كلمة، وقيل: وتسع وثلاثون كلمة. وأما حروفه فثلاثمائة ألف وثلاثة وعشرون ألفا وخمسة عشر حرفا، وقيل: ثلاثمائة ألف حرف وأحد وعشرون ألف حرف وقيل: ثلاثمائة ألف وأربعون ألف وسبعمائة وأربعون. والله أعلم. ولولا الإطالة لذكرت لك أغرب وأغرب.
ها هو السيوطي في الإتقان ينقل لنا فائدة فيقول: فائدة قال بعض القراء: القرآن العظيم له أنصاف باعتبارات، فنصفه بالحروف النون من نكرا في الكهف والكاف من النصف الثاني، ونصفه بالآيات يأفكون من سورة الشعراء، وقوله فألقى السحرة من النصف الثاني، ونصفه على عدد السور آخر الحديد والمجادلة من النصف الثاني وهو عشرة بالأحزاب. وقيل إن النصف بالحروف الكاف من نكرا، وقيل الفاء من قوله وليتلطف.
فالمقصود أن السلف ما كان خافيا عليهم مثل هذا الأمر، ومع ذلك ما عدوه إعجازا، ولا اشتغلوا به، ولو كان خيرا لسبقونا إليه، فكيف يأتي أحدهم ويقول لنا بكل جهل وغباوة:
الصلاة وردت في كتاب الله تعالى خمس مرات ..... (سأذكر هذا الأمر لاحقا، وأبين زيفه لأنه انتشر في المنتديات)
د ـ قال تبارك وتعالى: قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين.
واستخراج المعاني القرآنية والحكم الربانية عن طريق الآلة الحاسبة وحساب الجمل والرموز المعقدة هو ـ والله ـ عين التكلف!!
هـ ـ قال تعالى: هذا بيان للناس وهدى.
فهل هذه الرموز والأسرار الغير بينة والتي لا يفهمها أهل اللسان العربي المبين، بل لا علاقة لها بلسان العرب، هل هي بيان لجميع الناس؟!! وكيف تكون كذلك وهي بحاجة في بعض الأحيان لمعادلات رياضية وفيزيائية لا يحسنها إلا القليل مقارنة بمن يجهلها.
¥